يهدف عرض هذا المقال إلى تحديد أهم التوجهات الحديثة في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها وذلك لاستخلاص الأسس التي يستند إليها المعلم عند تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها تلك الأسس المرتبطة بالتوجهات الحديثة في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وتتمثل تلك التوجهات الحديثة في: المداخل والاستراتيجيات الحديثة المستخدمة في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها.
فلم يعد التَّركيز قاصرًا على منتجات التَّعلُّم التي يقوم بها المتعلِّم في المهارات الإنتاجيَّة، بل انتقل التَّركيز- إضافةً إلى هذا الجانب- إلى قضيّة مهمّة وهي " كيف يتعلُّم المتعلِّم اللغة" وبخاصَّة بعد التغييرات التي شهدها ميدان تعليم اللغات الأجنبيّة وتعلُّمها في ظلِّ المدخل التَّواصلي،والتي أولت – إضافةً إلى احتياجات المتعلِّمين- العمليات العقليّة التي تحدث في أذهان المتعلمين أهميَّة كبيرة؛ وعليه فإنَّ مصطلحاتٍ مثل استراتيجيَّات التَّعلُّم أو مداخل التَّعلُّم أصبحت من الأهمية بمكان، ويعرض المقال فيما يلي لأهم المداخل الحديثة والاستراتيجيات في ميدان تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها.
1- المدخل السمعي الشفهي
يعد المدخل السمعي الشفهي من المداخل التي اعتمدت على المدرسة البنيوية؛ حيث تهتم هذه المدرسة بظاهر الألفاظ دون معناها، وقد اهتم أصحاب هذه النظرية بالجانب اللفظي الشكلي، وأهملوا جانب المعنى، واستندوا إلى المبدأ القائل: إن اكتساب اللغة شبيه باكتساب العادات الأخرى عن طريق المثير والاستجابة والتعزيز.
وقد ظهر المدخل السمعي الشفهي استجابة لأمرين هما:
الأول: زيادة الدراسات المهتمة بتعلم اللغة الثانية عند علماء اللغة وعلماء النفس
الثاني: تطور وسائل الاتصال والتكنولوجيا.
من ثم فقد افترض المدخل السمعي الشفهي مجموعة من الافتراضات، ومنها:
أ- اللغة كلام، أما الكتابة فهي تمثيل جزئي للكلام؛ ولذلك يجب أن ينصب الاهتمام في تعليم اللغات الأجنبية على الكلام.
ب- يجب أن يسير تعليم اللغة بموجب تسلسل معين هو: الاستماع، ثم الكلام، ثم القراءة، ثم الكتابة. وهذا يعني أن يستمع المتعلم أولا، ثم يقول ما استمع إليه، ثم يقرأ ما قال، ثم يكتب عما قرأ.
ج- أفضل طريقة لاكتساب اللغة التدريب على استقبال القوالب والتراكيب ثم إنتاجها.
د- إن ما يحتاج إليه المتعلم هو تعلم اللغة، وليس أن يتعلم عن اللغة.
هـ- عدم التوسع في استخدام اللغة الوسيطة.
يستند المدخل السمعي الشفهي لتعلم اللغة إلى مجموعة من الأسس أهمها:
أ- التأكيد على مهارات التحدث منذ بداية البرنامج التعليمي وإدراج مهارتي القراءة والكتابة في الوقت المناسب.
ب- التركيز على توسيع الحصيلة اللغوية، تدريب المتعلم على القوالب والتراكيب.
ج- الاهتمام بالحوار التعليمي من خلال أنشطة تفاعلية تعزز الدافعية لدى المتعلم.
د- التركيز على تدريبات الأنماط قبل تدريبات المعنى؛ فهو يهتم بالصحة اللغوية أكثر من الطلاقة اللغوية.
- المدخل المعرفي الأكاديمي:
يستند هذا المدخل إلى الاعتقاد بأن تعلم اللغة يتضمن عمليات عقلية، ويهتم بتدريب المتعلمين على الوعي بالعمليات العقلية التي يقومون بها أثناء التعلم، ومدى قدرتهم على تقييم أنفسهم وتعلمهم وأدائهم، ويعطى أهمية للمشاركة الإيجابية للمتعلم في عملية استخدام اللغة.
يؤكد هذا المدخل على الفهم، فالتراكيب اللغوية لا يمكن تعلمها ثم استخدامها ما لم تكن قائمة على الفهم التام؛ ولذا يولي المدخل المعرفي الأكاديمي مهارات فهم المقروء عناية كبيرة من خلال الاهتمام بالمعارف والخبرات السابقة للمتعلم، ودورها في اكتساب المعلومات الجديدة، وكذلك وعى المتعلمين بالعمليات العقلية التي يقومون بها أثناء التعلم، وأثناء قيامهم بالمهام اللغوية المختلفة.
للمدخل المعرفي أهمية كبيرة في تعلم اللغة؛ حيث إن النشاط العقلي يتضمن في ذاته مكافأته؛ حيث إن الدافع المعرفي يقوم بدور مهم في تعلم مهارات اللغة، ويتضح هذا الدافع من خلال رغبة المتعلم في المعرفة والفهم وإتقان المعلومات وصياغة المشكلات وحلها، فالدافع المعرفي يبين بواقعية العلاقة المتبادلة بين الدافعية والتعلم. ومما يؤكد أهمية المدخل المعرفي استناده إلى مجموعة من الاستراتيجيات لتنمية الفهم لدى المتعلمين وتلبية الاحتياجات اللغوية لديهم في مختلف المستويات؛ مما يجعلهم نشطين، وإيجابيين، وفاعلين في التعلم.
يستند المدخل المعرفي لتعلم اللغة إلى مجموعة من الأسس أهمها:
- يكون المتعلمون فعالين في محاولاتهم لفهم خبراتهم.
- يعتمد الفهم الذي يطوره المتعلمون على ما يعرفونه مسبقاً.
- التعلم هو تغير في بني الفرد العقلية.
- التعلم عملية مشاركة بين المتعلم وزملائه؛ لإنجاز المهام.
- التعلم عمليات عقلية معرفية وفوق معرفية واجتماعية.
- مدخل كل اللغة:
مدخل كل اللغة من المداخل الحديثة في تعليم اللغة العربية، فهو يعلم مهارات اللغة دون الفصل بينها، فيقدم اللغة للمتعلم وحدة متكاملة، وهو أكثر المداخل حرصًا على إكساب المتعلمين المهارات اللغوية بشكل أسهل وأسرع، وهو بذلك يعد إطارا شاملًا ليس بتعليم اللغة واكتسابها فقط بل لاكتساب جميع معاني التعلم.
إن نقطة الانطلاق في هذا المدخل هي الصلة الوثيقة بين مهارات اللغة الأساسية (الاستماع، والتحدث، والقراءة، والكتابة)، وذلك بداية من التخطيط للتدريس مرورًا باختيار موضوعات وأنشطة التعلم، مع الاهتمام بالمواد التعليمية، بشكل يدعم اهتمامات المتعلم، ويساعده على تكوين المعني وإثراء لغته، ومن ثم فإن اكتساب اللغة وتعلمها يكون عن طريق الاتصال بالآخرين في مواقف طبيعية.
إن رؤية مدخل "كل اللغة" واضحة في إلغاء الفواصل بين المهارات اللغوية، لأجل تحقيق الغاية من تعلم اللغة وهو بناء المعنى وفهمه، فالمستمع أو القارئ يبنيان المعني في ضوء معارفهم وخبراتهم السابقة، وهما في الوقت نفسه –يتشابهان- مع المتحدث والكاتب في تلك الغاية؛ ومن ثم تم اعتبار مدخل "كل اللغة" من أفضل المداخل في تعليم اللغة وتعلمها؛ لأنه يمتلك القدرة على تحقيق التكامل بين مهارات اللغة الأربع، وتأتي هذه الرؤية الكلية في تعليم مهارات اللغة لمدخل –"كل اللغة"-من نتائج الأبحاث والنظريات في علم النفس المعرفي، وعلم نفس اللغة، وعلم اللغة الاجتماعي.
وتأسيسًا على ما سبق فإن مدخل "كل اللغة" مدخل يعمل على تعليم اللغة وتعلمها، ويستمد رؤيته ومبادئه من الطبيعة الكلية للغة وتكاملها في المهارات، ويجب أن تتمركز الخبرات في هذا المدخل حول نشاط المعلم، وخبراته السابقة، مع توفير المعلم مواقف وظيفية ذات معني بالنسبة للمتعلم.
يستند مدخل كل اللغة لتعلم اللغة إلى مجموعة من الأسس أهمها:
- كلية اللغة، ومهاراتها المتكاملة، وتكامل خبرات تعليمها وتعلمها.
- مركزية المتعلم، بحيث يجب أن تكون خبرات واهتمامات ومعارف المتعلم محورًا لجميع عمليات التعليم والتعلم ومراعاة ميول المتعلمين ورغباتهم عند بناء واختيار الخبرات التعليمية وتنفيذها.
- تعليم اللغة يكون أفضل إذا تم في سياقات ومواقف طبيعية مع الاهتمام نشاط المتعلم.
- ضرورة اختيار طرائق واستراتيجيات تدريسية تتمركز حول المتعلمين، وتؤكد نشاطهم وتفاعلهم.
- مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين وذلك من خلال بناء المناهج واختيار المقررات التي تسمح بتعرف خصائص المتعلمين، واختلاف مستوياتهم ليتسنى له معالجة هذه الفروق.
المراجع والمصادر:
- جاك ريتشاردز (2016):تطوير مناهج تعليم اللغة، ترجمة: ناصر الغالي، وصالح الشويرخ، معهد اللغة العربية للناطقين بغيرها.
- رشدي طعيمةومحمد السيد مناع (2000): تدريس العربية في التعليم العام "نظريات وتجارب" ط1، القاهرة: دار الفكر العربي.
- عبد العظيم صبري (2011): برنامج قائم على مدخل " كل اللغة " في تنمية مهارات فهم المقروء لدى متعلمي اللغة العربية الناطقين بغيرها. مجلة دراسات في المناهج وطرق التدريس العدد ( 171)
- عبد الكريم سليم الحداد (2013): فاعلية استخدام استراتيجية قائمة على المدخل الكلي في تدريس القراءة في تحسين مهارات الاستيعاب القرائي لدى طلبة الصف التاسع الأساسي، مجلة دراسات في العلوم التربوية ، المجلد (40) ملحق (1).
- فتحي يونسومحمد عبد الرؤوف الشيخ (2003): المرجع في تعليم اللغة العربية للأجانب من النظرية إلى التطبيق. القاهرة: مكتبة وهبة.
- محمود علي شرابي (2015): دليل متعلمي العربية الناطقين بغيرها، ط 1 الرياض: مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية.
- محمود كامل الناقةووحيد السيد حافظ (2006): تعليم اللغة العربية في التعليم العام، مداخله وفنياته، القاهرة، كلية التربية، جامعة عين شمس.
- محمود هلال عبد القادر (2015): استخدام المدخل المعرفيالأكاديمي لتعلم اللغة في تدريس القراءة وأثره في تنمية مهارات الفهم القرائيالإبداعي والتواصل اللغوي لدى تلاميذ الصف الثانيالإعدادي. المجلة التربوية لكلية التربية بسوهاج: العدد 39 - يناير 2015م.
- نايف خرما وعلي حجاج (1990): اللغات الأجنبية تعليمها وتعلمها. سلسلة عالم المعرفة.
- نشأت عبد العزيز بيومي (2009): برنامج لتنمية مهارات الأداء اللغوي لمتعلمي اللغة العربية غير الناطقين بها في ضوء المدخل الكلي، دكتوراه غير منشورة ، جامعة القاهرة، معهد الدراسات التربوية.
- وجيه المرسي أبو لبن ومحمود عبد الحافظ خلف الله (2010): الاتجاهات الحديثة في تعليم اللغة العربية. الجوف: نادي الجوف الأدبي الثقافي- المملكة العربية السعودية.