مازالت الاختبارات حتى الآن الوسيلة الرئيسة لمعرفة مدى تمكن الدارسين من محتوى ما يجري تعليمه، على افتراض أن ما يجري تعليمه هو تحقيق لأهداف وغايات المنهج، ومن هنا فإن أي تغير في الأهداف كأن يتحول الاهتمام من إتقان القوالب والصيغ النحوية إلى تكوين
ملكة التواصل لابد أن ينع** على أساليب الاختبار([1]).
والاختبارات المعنيةُ هنا هي الاختبارات النهائية التي تُجرى في نهاية الفصل الدراسي، وهي التي "تهدف إلى قياس مدى تحقق الثمرات التعليمية المستهدفة من البرنامج الدراسي لدى الطالب في الوقت المحدد للدراسة، ويُراعى فيها الأخذ بإحدى صور الاختبار بما يوافق المستوى الدراسي للطالب ونوع البرنامج الدراسي، وتأثيرها جميعها في معدل الطالب"([2]).
وتُحدد الاختبارات النهائية كفاءة الطالب ومستوى تحصيله بالرجوع أو بالنظر إلى مستوى دراسي معين، ومن سلبيات تلك الاختبارات أن "الممتحن في هذا الاختبار لا يهمه أن يعرف ما إذا كان الطالب قد سيطر على مهارات خاصة أو محتوى معين بل يهمه بالدرجة الأولى أن يعرف مدى قدرة الطالب على مواصلة الدراسة في مرحلة تعليمية معينة"([3]).
معايير اختبارات الاستماع للمستوى الأساسي:
رغم التغيير الذي طرأ على طرائق التدريس وعلى محتوى التعليم في اللغات الأجنبية وعلى الوسائل والتقنيات المستخدمة، لم يُصاحب ذلك تطور مماثل في طرائق اختبارات الاستماع حتى في ظل المنهج الوظيفي، مازال التركيز في معظمه قائمًا على الاختبارات الشفوية لاختبار استيعاب الكلام المسموع([4]).
ومبدئيًّا هناك نوعان من المعايير يجب أن تخضع لها اختبارات المهارات اللغوية ومنها اختبارات الاستماع: معايير أساسية ينبغي أن تنطبق على كل اختبار مهما كان موضوعه، ومعايير ثانوية تخُصُّ كل اختبار على حدة([5]).
أما المعايير الأساسية فسنذكرها في هذا المبحث ونستعيض بذكرها هنا عن تكرارها في المبحث الثاني؛ نظرًا لكونها معايير عامة تحدد المواصفات الرئيسة التي ينبغي أن تُراعى في تصميم الاختبارات بمختلف أشكالها، ومهاراتها التي تقيسها، وقد حددها طعيمة([6]) بخمسة معايير:
- الصدق Validity: ويُقصد به أن الاختبار يقيس ما وُضِعَ لقياسه، وعلى هذا الأساس فإن اختبار الاستماع الذي يمتلئ بكلمات وعبارات صعبة لا تناسب مستويات الطلاب لا يُعتبر اختبارًا صادقًا؛ لأنه يقيس تعرف المفردات إلى جانب المهارات السمعية.
- الثَّبات Reliability: ويُقصد به أن الاختبار يعطي نفس النتائج لنفس المجموعة من الأفراد إذا ما طُبِّق مرة أخرى في نفس الظروف وبعد مسافة قصيرة، وعلى هذا الأساس فإن الاختبار الذي يتغير وضع الطلاب كثيرًا بعد إعادة تطبيقه لا يعتبر ثابتًا.
- الموضوعية Objectivity: ويُقصد بها عدم تأثير شخصية المصحح على وضع أو تقدير علامات الطلاب في الاختبار، ومما ساعد على تحقيق الموضوعية أن يفهم الطلاب تعليمات الاختبار بدقة، وأن يكون هناك تفسير واحد للأسئلة والإجابات المطلوبة منه فضلًا عن توفير الظروف المادية والنفسية للطلاب لأداء الاختبار.
- العملية Practicality: ويقصد بها أن الاختبار لا يتطلب من المعلم جهدًا كبيرًا في وضعه أو تطبيقه أو تصحيحه، بمعنى أن هناك اختبارات تحتم على الطلاب استخدام نوع معين من الأقلام أو نوع معين من الأوراق أو توفير ظروف مكانية أو زمانية معينة أو تعقد إجراءات التصحيح والرصد والتفسير.
- التمييز Discrimination: ويقصد به أن الاختبار يستطيع أن يبرز الفروق بين الطلاب فيبين لنا الأقوياء من الضعاف، ويتطلب هذا أن يكون هناك مدى واسع بين السهل والصعب من الأسئلة بحيث يؤدي هذا إلى توزيع معتدل بين أعلى وأقل الدرجات.
وأضاف يونس ([7]) معيارين مهمين لكي نعدَّ الاختبار موضوعيًّا:
- تحديد الأهداف المقيسة: أي معرفة نوع المهارات أو نوع المعلومات التي يود الممتحن أن يختبرها ويقيسها، وهذه هي الخطوة الأولى الأساسية.
- اختبار المحتوى المناسب: أي أن تُترجم الأهداف المحددة مِنْ قَبْلُ، إمَّا في صورة الأسئلة، أو في صورة جُمَلٍ خبرية يطلب من الممتَحَنِ إبداءُ الرأي فيها، وهنا لابد من ملاحظة مهمة وهي أن الأسئلة لابد أن تكون متنوعة، أي ترتبط بالجوانب الثلاثة التي تهدف التربية إليها، وهذه الجوانب هي الجوانب المعرفية – والوجدانية – والسلوكية.
وزاد إيليغا ([8]) ثلاثة معايير تُعدُّ من المعايير الأساسية أيضًا في الاختبارات:
- ترتيب مستويات التعلُّم: في تسلسل تصاعدي من المستوى الأدنى إلى المستوى الأعلى، بحيث تقيس قدرة الطالب (المعرفية، والاستيعابية، والتطبيقية، والتحليلية، والتركيبية، والتقويمية) بحسب مستويات بلوم Bloom المعرفية.
- توزيع نسبة الصعوبة والسهولة: حيث يُوصى بأن توزع إلى 15% سهل، و60% متوسط، و15% صعب، و10% صعب جدًّا.
- تغطية الأسئلة للمقرر الدراسي: حيث تتوزع الأسئلة على موضوعات المنهج الدراسي بما نسبته 80% تقريبًا.
وأضاف دوجلاس براون([9]):
- سهولة التطبيق: ويعني بها ألا يُكلف فوق ما ينبغي من نفقات مالية، وألا يجاوز الوقت المحدد، وأن يتيسر فيه تحديد درجات الإجابة، وأن يتيح للطالب فرصة لإظهار قدراته، وكل اختبار يخرج عن ذلك لا يكون عمليًّا.
- البناء النظري: ويقصد به أن يتسق الاختبار مع الأسس النظرية التي بني عليها، كالتمكن اللغوي، والقدرة الاتصالية، واحترام الذات وغيرها، والاختبار ليس إلا تعريفًا عمليًّا لهذه الأسس، لأنها تعرض الجوانب النظرية التي يراد قياسها، وعلى ذلك فإن اختبارًا لقياس التمكن اللغوي العام ينبغي أن يحتوي على عناصر نحوية وعناصر لفهم المقروء وأخرى لفهم المسموع..وهكذا.
-المعايير الخاصة (الثانوية) لاختبارات الاستماع للمستوى الأساسي:
لابد أن يخضع اختبار الاستماع للمستوى الأساسي لمعايير تقيس قدرات الطالب على تمييز الظواهر المختلفة التي تصاحب عملية الاستماع، وهي كالتالي:
- قياس تمييز التجانس والتقارب الصوتي: وهذا أول معيار ينبغي مراعاته في البداية، فإن الاختبار لابد أن يراعي قياس قدرة الطالب على التمييز بين الأصوات المتجانسة التي تخرج من مخرج واحد لكنها تختلف في بعض الصفات كـ(الباء، والميم)، و(التاء، والدال)، و(التاء والطاء)، (والذال والظاء)، و(الثاء، والذال)، وقدرته على التمييز بين الأصوات المتقاربة التي تختلف في المخرج والصفة، لكن بينها تقارب في المخرج والصفة أو في أحدهما كـ(القاف، والكاف)، و(اللام، والراء)) و(السين، والصاد)، وقدرته على التمييز بين الصوائت الطويلة والقصيرة، فإن بينها نوع تماثل من حيث إن أصل الحرف فيهما واحد، والاختلاف في طول الحركة أو قصرها.
- قياس تمييز الاندماج الصوتي: حيث يراعي الاختبار في الأسئلة قياس قدرة الطالب على تمييز ظوهر الاندماج الصوتي الذي يحدث فيه اندماج بعض الأصوات في بعض؛ كاندماج صوت همزات الوصل في حالة الوصل مع ما يليها مثل: اقرأْ وَسْمَعْ في (اقْرأْ وَاسْمَعْ)، ويومُ لِثْنَيْنِ في ( يوم الاثْنَيْنِ)، وبعدَ نْتِهَاءِ دَّرْسِ في (بعد انْتِهَاءِ الدَّرْسِ)، وكذلك قياس قدرة الطالب على تمييز اندماج صوت لام التعريف؛ حيثُ تُدمج لام التعرف في أربعة عشر حرفًا، وهي: (ت، ث، د، ذ، ز، ر، س، ش، ص، ض، ط، ظ، ل، ن)، والمسماة بالحروف الشمسية، فإن لام التعريف لا تُلفظ في الكلمات التي تبدأ بحرف شمسي، بل تُجعل حرفًا مجانسًا لأول حرف من الكلمة ثم يُشدد هذا الحرف.
- قياس تمييز المُمَثَّل صَوتًا لا صورةً من الحروف: حيث يراعي الاختبار في الأسئلة قياس قدرة الطالب على تمييز ما له صوتٌ ملفوظٌ دون صورة مكتوبة من الحروف؛ كنون التنوين، وألف بعض أسماء الإشارة (هذا، هذه، هؤلاء، ذلك..)، وبعض الحروف مثل (لكنْ، ولكنَّ).
- قياس تمييز تغيرات نظام الوقف: فلابد أن يراعي الاختبار أيضًا تمييز قوانين الوقف على أواخر الكلمات المتنوعة (الأسماء – الأفعال – الحروف)، نحو:الوقف على الأسماء الظاهرة غير المنونة نحو: متى الدرسْ؟، والوقف على الأسماء الظاهرة المنونة نحو: جاء طالبْ، والوقف على الأسماء المختومة بتاء التأنيث المربوطة بالهاء نحو: هي طالبهْ، والوقف على الأسماء المختومة بتاء التأنيث المفتوحة نحو: هي بنتْ، والوقف على الأسماء المضمرة المختلفة نحو: مَنْ أنتْ(للمذكر والمؤنث)، والوقف على أسماء الإشارة نحو: مَنْ هَذِهْ؟ والوقف على الأفعال المختلفة نحو: يكتبْ، والوقف على الحروف المختلفة نحو: مِنْ / عَنْ.
- قياس تمييز نظام تغيرات نظام التقاء الساكنين: فلابد أن يراعي الاختبار في الأسئلة قياس قدرة الطالب على تمييز الحركات المجتلبة من أجل التخلص من الساكنين الذي يُجتنب في العربية، فيتضمن الاختبار أسئلة إملائية تحتوي على كلمات متنوعة يتم التخلص من التقاء الساكنين فيها على نحو متنوع، كأن تكون الكلمتان كلتاهما اسمًا نحو: كمِ الساعة؟، أو إحداهما حرفًا والثانية اسمًا نحو: قدِ انطلق القطار، أو تكون الأولى فعلًا والثانية اسمًا نحو: اكتُبِ الواجبَ.
- قياس القدرة على التفاعل الحركي الجسدي: حيث ينبغي أن يتضمن الاختبار أسئلة تفاعلية تقيس قدرة الطالب على تمييز التعليمات والأوامر التي تُوَجَّهُ إليه وتتعلق بحركات جسمية قائمة بذاتها منعزلة عن أشياء خارجية؛ مثل:قِفْ / اِجْلِس / أسْرِعْ / تَكَلَّمْ، ويتضمن أسئلة تتعلق بحركات جسمية مرتبطة بأشياء خارجية؛ مثل:اِفْتَح كتابَكَ/ أغلِقْ دَفْتركَ، والغرض من هذا النوع كما سبق هو اختبار مقدرة الطالب التفاعلية وحصيلته من التعليمات والأوامر التفاعلية التي يكثر استعمالها في اللغة والتعاملات اليومية.
- قياس القدرة على التفاعل مع المرئي: إذ يتضمن الاختبار مجموعات من الصور ثم يستمع الطالب إلى صوت أو كلمة وعليه أن يربط بين الصوت والصورة التي ينطبق عليها هذا الصوت أو تلك الكلمة، وكذلك يتضمن مجموعة من الصور البسيطة أو المركبة ويُعلِّقُ على كل صورة منها بِجُملةٍ تَصِفُ تلك الصورة، وعلى الطالب أن يحكم على وصف المعلم بالصواب أو بالخطأ، أو يُسمِعُ المعلمُ الطالبَ جملةً ويطلب منه أن ينظر إلى الصور المُبَيَّنة ليختار الطالب الصورة التي تنطبق عليها تلك الجملة المسموعة، من قبيل ربط العبارات والمنطوق بالصور.
المراجع:
([1]) Porter, Don (1986). "Testing in the Foreign Language Programme : Areas of Change" in Tradition and Innovation in English Language Teaching, London, Longman, p43.
([2])إيليغا داود، تصميم اختبارات اللغة العربية الرقمية للطلبة الناطقين بغيرها وتقنياته العصرية، ص37.
([3]) يونس، فتحي علي، التقويم في تعليم اللغات للأجانب مع التطبيق على تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، ص299.
([4]) خرما، نايف، وحجاج، علي، اللغات الأجنبية تعليمها وتعلُّمها، ص 215.
([5])طعيمة، رشدي، المرجع في تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى، ص720.
([6]) المصدر السابق، ص720-721.
([7]) يونس، فتحي علي، التقويم في تعليم اللغات للأجانب، ص299-300.
([8]) إيليغا داود، تصميم اختبارات اللغة العربية، ص38.
([9])براون، دوجلاس، أسس تعلم اللغة وتعليمها، ص267-269.