مقالات وأبحاث متخصصة في المجال

دور التكنولوجيا في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها

دور التكنولوجيا في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها

de د. أحمد درويش مؤذن -
Número de respuestas: 0


تُعدُّ التكنولوجيا اليوم بما تحتويه من غثٍّ وسمين عصب الحياة، وهي المحرك الأساسي للعديد من الأعمال والنشاطات التجاريَّة والسياسيَّة حول العالم، ولم تقف عند هذا الحد، بل كان لها دور بارز أيضاً في نقل المعرفة والثقافة بين الدول والمجتمعات، وكأنَّنا في قرية صغيرة سُكَّانها فُقاعات تختفي وتظهر عند الحاجة.

وليس ذلك فحسب بل دار حولها حُروب باردة ومعارك طاحِنة - ولا تزال - للسيطرة على أنظمة معيَّنة أو طرد المخاطر والدفاع عن بلد ما، وهي تستخدم لذلك كلَّ الإمكانيَّات والوسائل التقنيَّة الحديثة، وكأنَّنا في عصر القنابل التكنولوجيَّة والمدافع الرقميَّة وجدران الحماية الـمُحوسبة، وكلها لا تُرى بالعين المجرَّة، ولكنَّها بتأثيرها ووقعها أشدُّ من حرب عالميَّة ونزاعات إقليميَّة، ثم انتقلتْ بسطوتها وجبروتها نحو التعليم فأحدثت فرقاً كبيراً وثورة في تكنولوجيا التعليم، ليكون لِزاماً على المجتمعات المتحضِّرة أخذها بعين الاعتبار، وجعلها وسيلة أساسية في التعليم والتدريب.

وعندما ننتقل إلى تعليم اللغات الأجنبيَّة نجد أنَّ التكنولوجيا أيضاً حاضرة وبقوة، لا يُستغنى عنها، وخاصة للجيل الجديد، فاليوم أصبح الطالب نادراً ما يتخلى عن هاتفه الذكي، بل نجده يحمله في يديه باستمرار ، وكأنَّه رفيق دربه ومستشاره الشخصي لكل ما يحيط به من تساؤلات ومعارف، وخاصة عندما يتعلم لغة جديدة، (فهو يستعمل لذلك التطبيقات الذكية والقواميس الإلكترونية المساعدة له أثناء التعلم)، لنلحظ بذلك زيادة في الإنتاجية اللغوية، والتفاعل الحي بين الطالب والمدرس، والقدرة على الإبداع بشكل أكبر وملحوظ، وكل ذلك في بيئة مليئة بالترفيه والحوافز.

ثم إنَّ تكنولوجيا التعليم للغات الأجنبية تقوم بدور المرشد للطالب، ولا تستغني عن الأستاذ والموجه الحقيقي، ولكنها مُكملة له، لتكسر الحواجز التقليدية لتعلم اللغات، وتجعل من اللغة أقرب للطالب وأيسر للمعلم أثناء عرضه وتعليمه لتلك اللغة، وهي من خلال الحاسب أيضاً تحفِّز القدرات اللغوية والذهنية عند الطالب، وتجعله يشارك نشاطاته اللغوية مع أستاذه وأصدقائه، وتسهل عليه الحصول على المعلومة بأيسر الطرق وأكثرها دقَّة.

أمَّا اللغة العربية اليوم - وللأسف - لا نجد من يخدمها في هذا المجال إلا القليل من الباحثين، حتى وإن قامت بعض مراكز الأبحاث بجهود لدعمها إلا أنني لا أجدها كافية وبحاجة إلى المزيد من الدعم والتطوير.

وسأسرد هنا بعض الوقائع والتوصيات لدمج التكنولوجيا بتعليم اللغة العربية كلغة أجنبية كما وجدت من خلال تجربتي في البحث والعمل:

  • لا بدَّ لنا أن نعمل بجدّ من أجل الوصول إلى الطالب والمدرس من خلال تلك التقنيات الحديثة وذلك عبر إنشاء مُنتديات وبرامج في الجامعات والمعاهد، تجمع المتعلم والمعلم وتعرِّفه بهذه الوسائل بشكل دوري، فهي مُتجددة وتتطور كل يوم.
  • تعريف العاملين والمدرسين بهذا السلك التعليمي الجديد، وخاصة فيما يتعلق بالإمكانيات الـمُتاحة للغة العربية والعروض الـمُقدمة لها من جميع الدول والمنظمات، فإلى الآن لا يوجد حاضنة للغة العربية تجمع تلك الوسائل التكنولوجية والتقنيات الابتكارية في مكان واحد، وهو ما أدعو إليه بشدة.
  • عندما نقارن التعليم التقليد بالتعليم التقني، أجد أنَّ التعليم التقني أكثر انتشاراً وأقل تكلفة (فأنت لا تحتاج لإعطاء درس ومحاضرة يُتابعها الملايين إلا لكاميرا ومادة علمية مصنوعة بشكل احترافي ومنصة مشهورة لنشر هذه المحاضرة). وهو أيضاً قد يتفوق في الإنتاجية والأداء، ولكنه يحتاج دائماً إلى مواكبة التطورات التقنية للطالب والأستاذ، ولعله في تصوري أقرب للجيل الجديد من التعليم التقليدي، وكأنَّنا اليوم في عصر المنصات الإلكترونية أو التعليم الإلكتروني، وهي تخطف الأنظار نحو الابتكار والتجديد المستمر، ولكنها - في نفس الوقت – قد تحتاج للكثير من الدعم والتطوير، وخاصة تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها.
  • أقترح أن يكون في معاهد اللغات الأجنبية في الجامعات مخابر لغويَّة مُستقلة "واستديوهات" خاصة مُجهَّزة بأحدث الوسائل التكنولوجيَّة، لتكون الأداة المساعدة في العملية التعليميَّة وخاصة اللغة العربية، فهي بحاجة إلى برامج مُتلفزة، ودوس من مُحترفي وصُنَّاع الـمُحتوى الجديد لتقريبها للمتعلم، وجعلها أكثر سهولة.
  • العمل على إنشاء برامج خاصة للغة العربية مُقولبة على شكل أفلام تعليميَّة من قِبل مختصين ومحترفي صُنَّاع المحتوى، وهذا ما نراه اليوم للغة الإنكليزية ويحقق ملايين المشاهدات، ويعلم اللغة بطريقة سهلة وممتعة، وهو ما أتمنَّاه أن يُصبح حقيقة يوماً ما في مراكز ومعاهد تعليم اللغات الأجنبية في تركيا، ولعله أمر يحتاج إلى دعم مؤسساتي، وتظافر الجهود، وتوجيه أصحاب الخبرة والمعرفة.
  • تعزيز التعليم عن بعد، من خلال استخدام نظام(MOOC) للغة العربية للناطقين بغيرها، وتقنية الصف المقلوب، كما هو موجود للغة الانكليزية فيTEDED  و COURSERA و FUTURELEARN والتعليم التفاعلي كما في ROSETTA STONE وDUOLINGO  وغيرها من المنصات والبرامج. والعمل أيضاً على ابتكار طُرق جديدة لتعليم اللغة العربية تتفوق على التعليم التقليدي باستخدام منصات تشبه تلك المنصات ولكنها خاصة باللغة العربية للناطقين بغيرها، واعتماد إطار لغوي خاص باللغة العربية لقياس المهارات اللغوية، والحصول على شهادة معترف عليها دولياً، وهو ما أسعى إليه في إحدى مشاريعي اللغوية والتقنية.
  • العمل على إنشاء برامج وتطبيقات للهواتف الذكية (APP STORE - GOOGLE PLAY) تخدم الجانب الوظيفي واللغوي والمعجمي في اللغة العربية للناطقين بغيرها، وهو أمر ضروري، وقد وجدناه في بعض البرامج التقنية كبرنامج "معجم الدوحة التاريخي للغة العربية"، ثم إنَّ هذا أمر قد يحتاج إلى مُحترفين ومتخصصين على المستويين العلمي والتقني ليكون على قدر الكفاءة المطلوبة، والأفضل فيه أن يكون من خلال مراكز أبحاث وهيئات تُمثِّل اللغة العربية كمجامع اللغة العربية والحكومات وغيرها.

 


* - أستاذ جامعي، وأكاديمي متخصص في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، ومهتم بدمج التكنولوجيا بالتعليم والتدريب.