مقالات وأبحاث متخصصة في المجال

طالباتٌ للعربيّة تُجمّلُهنّ الدّافعيّة (خواطر في تعليم العربية للناطقين بغيرها)

طالباتٌ للعربيّة تُجمّلُهنّ الدّافعيّة (خواطر في تعليم العربية للناطقين بغيرها)

by حسّانة أحمد الخشاب -
Number of replies: 0


       في رأيي أنّ كلّ من يطلب العربية يُصيبه شيئًا من جمالها، وأجملهم هم أولئك ذوو الدّافعيّة العالية لتعلّمها. أجدني الآن أكتب ويصحبني شعور هو مزيج بين انتشاء وإعجاب وحب عطاء و افتخار، أذكر أن ذاك كان دومًا شعوري كلّما قابلت إحدى طالباتي المميزات، يدفعهن حبّ اللغة أوّلًا، للتفوق والإنجاز المميزين، في سبيلهن ودرب تعلّمهن لهذه اللغة العذبة.. اللغة العربية.

 وكما يُقال في موروثنا العربي الرائع، أنّ قيمة كل امرئ ما يسعى إليه، أحسّ ُبهذا إحساسًا بيّنًا لا مراء فيه كلّما رأيت جهود تلك الطالبات صاحبات الدافعية العالية لتعلم العربية، تحدو بهنّ رغبة حقيقية للاستزادة من موارد العربية ومناهلها المُروِية. 

     وعلى ذكر دوافع تعلم العربية لدى طلابها من غير الناطقين بها. أصدقُ القول أنّ دافع تعلم العربية بغرض فهم القرآن الكريم على وجه الخصوص، يمتاز أيُّما تميُّز عن غيره من دوافع تعلّم العربية على اختلافها، من تعلم العربية رغبة في التواصل مع العرب، أو لمد ّجسور ثقافية بين لغات أخرى مع لغة مثلها غنية مشبعة بالفصاحة والبلاغة والجمال. أو تعلمها لغرض سياسي، أو لحاجة من حاجات السُّكنى في بلاد العرب، أو غيرها من الدوافع التي عرضت لي خلال تدريسي للعربية.

إذ سرُّ هذا الدّافع الذي لا يخبو في نفوس المتعلمين، كامنٌ في الشوق لفهم القرآن الكريم، زادِ كلّ روح مؤمنة عطشى لبلوغ مراد الله سبحانه وتعالى. ولطالما رأيت الطالبات يجابهن ظروفًا متغايرة الصّعاب، ويستمررن في تعلّمهن للغة العربية بسبب هذا الدافع النبيل. 

      أما عن دروس تلك الطّالبات، فحدّث عنها كيف أنّها دروس ممتعة مفعمة بالتفاعل والتفوق المشبع بالمرح، يفوق في كثير من الأحيان ما أخطّطُ له من تحصيل دراسي وعلمي في نهاية الدرس. ويتركنني في انتظار لوقت الدرس، انتظارًا لا يشغلني عنه الإعداد والتحضير المتنوّع للدرس. ويحفزنني حتى لكأنني أريد تطويع الكلمات وتذليل سبل التعلّم لهنّ حتى يصلن لما يُردن. وكثيرًا ما أُفاجَأُ باستباقهنّ للدّرس وقد أعددن الواجبات البيتية والأنشطة غير الصفّية على اختلافها، فأزيدُ أحيانًا من تكليفهن لأرى بعده إنتاجًا لُغويًا محبّبًا، تختلط فيه تراكيب وتعابير مُوظّفةً في مزيج منسوج بحبكة متفرّدة! وهي محبّة هذه اللغة.

      أكادُ أجزم أن من أسباب نجاح معلّم العربية للناطقين بغيرها، وجود مثل هؤلاء الطالبات والطلّاب. وإبداع المعلّم في هذا المجال، تنمّيه مثل هذه النماذج البهيّة، بل وتُشعِرُ المعلّمين كثيرًا أنّ هناك ما هو أجمل من أداء الرّسالة والقيام بالواجب والمسؤولية تجاه طلاب العربية، وهو عطاءٌ يمدّه حبُّ أولئك الطلاب والطالبات لها، وبذْلٌ كريمٌ يستزيده مريدو هذه اللغة، بشغفهم وتفوّقهم.

ولعلّ منظّري معايير كفاءة معلمي اللغات الحيّة، يقرّرون يومًا ما معيارًا جديدًا لهذه الكفاءة، وهو براعة المعلّم في تشجيع الطلاب أصحاب الدافعية، وتحفيز الطلاب الآخرين على الاقتداء بهم، وتكريمهم وإكرامهم. 

       فللطلاب ذوي الدافعية العالية أثرٌ بليغ إيجابي على سير العملية اللغوية التعليمية، ينعكس على المعلم ذاته، وعلى أقرانهم من الطلاب الآخرين، بل وعلى المنهج التعليمي أيضًا بلا مبالغة.