تُعرّف إستراتيجية (i+1) بوصفها مستوى الصعوبة في المدخلات اللغوية في عملية اكتساب اللغة الثانية وتعلمها بحيث يجب أن يكون هذا المستوى أعلى بقليل من مستوى المتعلّم وقدرته الاستيعابية للغة الثانية أو الأجنبية.
وقد رُمز لها بالمعادلة الآتية: (1i+)، ويطلق عليها كذلك أسماء أخرى، منها على سبيل المثال:فرضية المدخلات اللغوية أو نظرية المراقب اللغوي. كما تُعرف بالعلاقة بين الكفاءة اللغوية المكتسبة مُسبقًا (أي المستوى اللغوي الفعلي الحالي للدارس) وأيَضًا تعرف بالمعرفة اللغوية الإضافية المنشود إضافتها أو اكسابها للمتعلم، إذ تقتضي الفرضية أننا سوف ننقل المتعلم من مستوى i إلى مستوى i + 1 من خلال فهم المدخلات اللغوية التي تشمل المعرفة اللغوية الإضافية. ويمثل +1 "الزيادة " للمعرفة أو بنية اللغة الجديدة التي ستكون ضمن مقدور المتعلم الحصول عليها، وهو ما يسمى لدى بعض الباحثين بمستوى التحدي الجديد في مستوى الدارس الفعلي، وهي بكلمات أخرى المدخلات اللغوية أو المادة التعليمية التي تتناسب مع مستوى كل دارس في مستواه مع نسبة معينة من التحدي تمثل الإضافة الجديدة في الكفاءة اللغوية.
ولتوضيح هذه المسألة رياضياً، دعونا نفترض أن الكفاءة اللغوية الكلية هي متصل بياني يتكون من عشرة أرقام (1 ، 2 ، 3 ...10) ، وبالتالي يتوزع الدارسون على هذا المتصل اللغوي الذي يتكون من عشرة أرقام، ولكي نفهم فرضية (i+1) فلنفترض أن سارة هي طالبة في المستوى 2، وبالتالي فإن iبالنسبة لسارة هوالمستوى 2، وهو يمثل المستوى الواقعي أو المعرفة اللغوية المكتسبة مسبقاً لسارة، وأن 1+ تمثل في هذه الحالة المدخلات اللغوية أو التحدي الذي يكون على مستوى 3، وعليه فلو قّدمأستاذ سارة برنامجا لهابمدخلات لغوية من المستوى 5، يكون البرنامج فاشلاً وقد ظلم الطالبة، ولا شك أنه يكون قد أرساها على شاطئ اليأس والإحباط؛ لأنها لنتستطيع التعامل مع المدخلات اللغوية المناسبة لأنها في مستوى 2 وجاءت المدخلات على مستوى 5 في حين كان يجب أن تكون على مستوى 3، وبالتالي لن يتحقق لها الاكتساب المنشود.
وجدير بالقول إنه في عملية اكتساب اللغة لا يكفي أن تكون هناك مدخلات لغوية فحسب، بل يجب أن تكون مدخلات مفهومة كذلك، ولكي نفهم هذه بشكل جيد فلنضرب لها مثلا بقضاء أجنبي يبلغ من العمر ثلاثين عاماً عشرَ سنوات في أي بلد عربي مع عدم تمكنه من اكتساب اللغة العربية؛ لأن المدخلات المقدمة له لم تكن مناسبة له ولا منسجمة مع فرضية (i+1).
ويؤكد كراشن أن التحدث باللغة الهدف وحده لا يؤدي إلى اكتساب اللغة. على الرغم من أن التحدث يمكن أن يساعد بشكل غير مباشر في اكتساب اللغة، ويتم اكتساب اللغة في نظره إذا توافر ما يكفي من المدخلات اللغوية المفهومة للمتعلم ضمن نظرية ، (i+1) بالإضافة إلى توافر المعلم الكفء والتنظيم الجيد للمدخلات . وهذه تعد من وجهة نظر كراشن أفضل طريقة لتطوير الدقة النحوية، وتجدر الإشارة إلى أن تدريس اللغة الثانية لا يعتمد على النظام الطبيعي لاكتساب اللغة الأولى.ويمكن تلخيص كل ما سبق بصورة عملية أخرى مؤدّاها أن المدخلاتيجب أن تكون ذات معنىً، أي مفهومة للدارسين في ذلك المستوى، وملائمة لهم. ويؤكد كراشن أنه ليس بمقدورنا أن نكتسب اللغة إذا لم نفهم المدخلات اللغوية، فمشاهدة التلفاز باللغة المستهدفة في المستويات المبتدئة والمتوسطة أو أن يستمع الدارسون للمحادثات اليومية والمسلسلات والأفلام العربية يمكن أن تكون أعلى من مستوى فهمهم بالنتيجة لن تساعدهم كثيراً في اكتساب اللغة لعلو المضمون اللغوي فيها، ويمكن أن تكون الاستفادة في حدودها الدّنيا لأنها لم تنسجم مع قاعدة كراشن (i+1). وحريٌ إن العالم خارج الفصل لا يقدّم للمتعلم الأفضل، فالأفضل في اكتساب اللغة الثانية للكبار هو الانتظام في فصولٍ اللغة، وعليه فنؤكد على ضرورة مناسبة المدخلات للمستويات الدراسية، وتكاد تكون هذه المسألة الأهم في عملية اكتساب العربية لغة ثانية أو أجنبية برمتها.
وقد اختلف منظرو اكتساب اللغة الثانية في موضوع المدخلات اللغوية وفرضية (i+1)، وكما سبق القول فإن كراشن قد عوّل كثيراً على موضوع المدخلات اللغوية المفهومة في اكتساب اللغة الثانية لدرجة أنه ألّف كتاباً كاملاً تحت هذا العنوان وأيده في ذلك بروفت ولارسنوفريمان ولونجفيما قام كاز وسيلندر برفض مقولة كراشن بأن المدخلات اللغوية هي العامل الأهم المفضي إلى اكتساب اللغة الثانية. ويريان أن هناك أربع مراحل مهمة للطريقة التي يتم بوساطتها تحويل المدخلات إلى مخرجات[1]:
ولعل المثال الآتي يوضح بجلاء ما أشرنا إليه في هذه القضية المهمة، فهذا طالب في المستوى المبتدئ درس وصف البيت عبر هذا الدرس.
بيتي كبير، يتكون من طابقين، الأول في صالة صغيرة وصالة كبيرة، وفيه أيضاً ثلاثة حمامات، وغرفة نوم واحدة. أمّا الطابق الثاني ففيه، خمس غرف نوم كبيرة، و3 حمامات أخرى. وفيه شرفة كبيرة جداً تطل على حديقة المنزل الخلفية. يقع بيتنا في منطقة جميلة ومشهورة فيها الكثير من الأسواق والمساجد والكنائس.
فما هي المدخلات المناسبة لاستكمال مشوار وصف الأماكن لهذا الطالب، تمعن معي في المثالين الآتيين:
المثال الأول:
العمارة الإسلامية
برزت العديد من الفنون في الحضارة الإسلامية، ولعلَّ أكثرها ارتباطاً بالأذهان وبهذه الحضارة العريقة تلك الأنماط المعمارية التي تسلب الألباب، والتي تضفي نوعاً من الروحانية على مكان قلَّ أن يجد الإنسان له مثيلاً في العالم، فالعمارة الإسلامية من أجمل أنواع العمارة، حيث تلاقي انتشاراً كبيراً في المناطق الإسلامية على وجه التحديد؛ كمناطق ودول الوطن العربي، وإيران، وتركيا، والهند، وإسبانيا (الأندلس)، وغيرها العديد من الأماكن. ويُمكن للأنماط المعمارية الإسلامية أن توظف في سائر أنواع المباني؛ حيث تضم العديد من العناصر التي بها يمتاز البناء، ويزهو، ويصير أكثر كفاءة من الناحية العملية، وقد أبدع المعماريون المسلمون في تصميمها، وأولوها عناية خاصة، وهي عناصر مشتركة في الغالب بين مختلف الأبنية الإسلامية المنتشرة في كافة أصقاع الأرض، وفيما يلي بعض أبرز وأهمّ هذه العناصر، وأكثرها شهرة. عناصر العمارة الإسلامية الإيوان: ويُعرف الإيوان على أنه قاعة لها ثلاثة جدران فقط، وسقف فوقها، أمّا الجهة الرابعة فهي مفتوحة أمام الهواء الخارجي، وأشعة الشمس الجذابة، وقد يحتوي الإيوان على العديد من الأعمدة، وعلى عناصر أخرى للعمارة الإسلامية. وقد عرف العرب الإيوان قبل مجيء الإسلام، ليتم استخدامه فيما بعد في العديد من الأبنية الإسلامية الهامة. أما الصحن: فهو تلك الساحة غير المسقوفة التي تتوسط بعض المباني، ومن أشهر الأمثلة عليه صحن الكعبة الذي يحتوي على الكعبة المشرفة في المسجد الحرام. ويكثر استخدام هذا النوع من العناصر المعمارية في العديد من الأبنية في عدد كبير من الدول العربية، بل وحتى الإسلامية، فهذا العنصر يُضفي جمالاً لا نظير له على المبنى، كما يوفّر أيضاً مساحات مناسبة للاستراحة، والاسترخاء، ولعلَّ أكثر الأبنية التي تستعمل الصحون هي تلك الأبنية التي تُشيَّد في مدن بلاد الشام؛ كدمشق، ونابلس، وحلب، وغيرها من المدن، حيث يتم تزيين الصحون في هذه المدن وغيرها ببركة ماء جميلة، إضافة إلى عدد كبير من أنواع المزروعات، والورود، والأزهار. المحراب: هو ذلك النتوء الذي يتوسط الجدار، ويكثر استعماله في المساجد؛ ذلك لأنّه يشير إلى اتجاه القبلة، وهو مكان صلاة الإمام أثناء صلاة الجماعة، وله العديد من الفوائد من الناحية العملية، خاصة على صعيد راحة الإمام أثناء أداء الصلاة، وراحة المصلين، وزيادة أعداد المصلين داخل المسجد؛ فبدلاً من أن يشغل الإمام صفاً كاملاً وحده، يمكن الاستفادة منه في ضم عدد لا بأس به من المصلين، وحسب سعة الصف الإجمالية. القبة: هي نوع من أنواع العناصر المستعملة في تسقيف الأبنية، وفقاً للطراز المعماري الإسلامي، وهي تتخذ عادةً الشكل نصف الكروي الأجوف من الداخل، وتصنع من العديد من المواد المختلفة، كما أنها تُزيّن بأنواع مختلفة من الزينة، والزخارف، وقد تُزيّن بآيات قرآنية، أو بأسماء الله الحسنى خاصّةً إذا ما استعملت في المساجد.
لا ريب أن هذا النص ليس مناسباً على الإطلاق لكي يكون ضمن ما سماه كراشن المدخلات المفهومه لطالب المستوى المبتدئ، وذلك بسبب عدم مناسبة المفردات والتراكيب اللغوية ومستوى التعقيد في النص وكيفية عرضه وسرده وطبيعة المحتوى المتوافر فيه، وعليه فإن تدريس هذا النص لا يعتبر مفيداً في إكساب الطالب كفاءة لغوية تنقله إلى المستوى اللاحق.
المثال الثاني:
مدينة القدس
مدينة القدس واحدة من أكبر مُدن فلسطين وأشهرها، جاء وصفها وذكرها في القرآن الكريم والإنجيلوالتوراة. وهي تقع في قلب فلسطين على جبال ترتفع بين 720 إلى 830 متراً عن سطح البحر. ويرجع تاريخ مدينة القدس إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، وهي بذلك تعتبر واحدة من أقدم مدن العالم. وتتكون مدينة المقدسة من قسمين: القسم القديم وهو المدينة التاريخية القديمة، ويتكون من أربعة أقسام ، وهي: القسم الإسلامي، والمسيحي،والأرمني، واليهودي. وهذا الانقسام نشأ بسبب حاجة المجموعات الدينية للعيش قريباً منمواقعهم المقدّسة، و منها كنيسة "سانت جيمس" للأرمن، و"قبة الصخرة" و"المسجد الأقصى"للمسلمين و"كنيسة القيامة" التي فيها قبر النبي عيسى (حسب الفكر المسيحي) للمسيحيين،وكذلك "حائط البراق " كما يذكر في الفكر اليهودي . والقسم الإسلامي مأهول بالسكان بشكل كبير، و هو الأكبر والأقدم من الأقسام الأربعة للمدينة، ففيةبيوت لحوالي 20000 ساكن مسلم في القدس. وإذا استطعت زيارة المدينة فسترىالشوارع الضيّقة والأسواق القديمة، كما أنك ستجد العديد من الأمثلة الرائعةللهندسة المعمارية الإسلامية من القرون الوسطى، وفي الحقيقة يعتبر المسجد الأقصى هو الموقع الإسلامي الأقدم في القدس، ويعتبر للمسلمين أولى القبلتين وثالث أقدس مسجد للمسلمين فيالعالم. و يمتد السوق خلال كل القسمالمسيحي والإسلامي في حارات وشوارع مزدحمة، بعض منها لا تراه الشمس.
لاحظ معي عزيزي القارئ أن هذا النص هو ما يمكن أن نطلق عليه المدخلات المفهومة لطالب المستوى المبتدئ وفق نظرية كراشن، لأني مبني على ما قاعدة (i+1) أي أنه يتضمن مستوى الطالب السابق مع وجود تحديات مقبولة يستطيع الطالب التعامل معها والاستفادة منها في تطوير كفاءته اللغوية للمستوى التالي، وعليه فهو نص مناسب من حيث الموضوع والمفردات والتراكيب والتعقيد والطول وكل عناصر النص المناسب الأخرى، ويمثِّل في حالتنا هذه استراتيجية (i+1) بامتياز.
[1]لمزيد من المعلومات والتفاصيل حولها انظروا في كتب كراشن الآتية: Second Language Acquisition and Second Language Learning (Language Teaching Methodology Series) 1981 وكتاب Principles and Practice in Second Language Acquisition (Language Teaching Methodology Series) 1982، وكتاب The Input Hypothesis: Issues and Implications 1992