مقالات وأبحاث متخصصة في المجال

استراتجية منطقة (التطور/ التنمية) القريبة (ZPD) وتوظيفها في فصول تعليم العربية للناطقين بغيرها

استراتجية منطقة (التطور/ التنمية) القريبة (ZPD) وتوظيفها في فصول تعليم العربية للناطقين بغيرها

by د. خالد أبو عمشة -
Number of replies: 0


تعرف استراتجية منطقة (التطور/ التنمية) القريبة Zone of proximal development (ZPD) التي جاء بها فيجوتسكي في سني حياته الثلاثة الأخيرة بالفرق بين ما يمكن للمتعلم أن يفعله دون مساعدة وما يمكن أن يحققه مع التوجيه والتشجيع من شريك ماهر. وهكذا ، يشير المصطلح "القريب" إلى تلك المهارات التي يكون المتعلم "قريبًا" من إتقانها. وقد عرفها فيجوتسكي نفسه بـقوله: هي "المسافة بين المستوى التنموي الفعلي كما هو محدد بواسطة حل المشكلات المستقل ومستوى التطور المحتمل كما هو محدد من خلال حل المشكلات بتوجيه من البالغين، أو بالتعاون مع أقران أكثر قدرة"[1]. ويمكن تعريفها بطريقة إجرائية بـ "الفجوة بين ما اكتسبه متعلم اللغة وتعلمه وما يمكن أن يكتسبه أو يتعلمه بقليل من الدعم والمساعدة". ويعتقد علماء اللغة النفسيون بأنه عندما يكون الطالب في منطقة التنمية القريبة لمهمة لغوية معينة، فإن توفير المساعدة المناسبة له سيمنح الطالب ما يكفي من "دفعه" لإنجاز المهمة. ومن الباحثين التطبيقيين في مجال تعليم اللغات الأجنبية من يجعل هذه الاستراتيجية رديفة لاستراتيجية (السقالات[2]) أو الدعائم التعليمية، ومن واقع الممارسة والتنظير أرى أن بينهما تقاطع واختلاف. ولعل أبسط مبادئ هذا الاختلاف أن السقالات كما سيبينه البحث المشار إليه يجب أن تكون أدواتها مادية من المساعدات فيما منطقة (التطور/ التنمية) القريبة قد تكون بأدوات مادية أو مساعدات معنوية ككلمة أو إشارة أو حركة.

ومن أجل مساعدة المتعلم على تفعيل هذه الاستراتيجية، يشير اللغويون التطبيقيون إلى ضرورة توافر ما يلي:

  • وجود شخص (في الفصل) لديه معرفة ومهارات تتجاوز المتعلم (شخص آخر أكثر دراية منه).
  • توفير التفاعلات الاجتماعية مع معلم ماهر يتيح للمتعلم ملاحظة مهاراته وممارستها.
  • معرفة معلم اللغة بمفهوم الدعائم التعليمية (السقالات)التي يقدمها المعلم، أو نظير أكثر كفاءة ، لدعم الطالب في أثناء قيادته عير منطقة التطور القريبة.
  • إدارك المعلم لمفاهيم اكتساب اللغة ومراحلها واستراتيجياتها.
  • 44594-30107.jpg?itok=Ji1EANUn

وهذا يقودنا إلى مسألة ملحة جداً ربما يجهلها كثير من مدرسي اللغات الأجنبية الذين يحرصون على إبعاد أي طالب بينه وبين زميله في فصله بعض الفروقات اللغوية، الأمر الذي يحرمهم من فرص عظيمة في تطوير طلبتهم لعدم توافر التفاعلات الاجتماعية اللغوية الضروية التي يحتاجها المتعلمون من أجل تنمية مهاراتهم اللغوية خاصة أن المعلم نفسه لا يستطيع توفير هذه الفرصة للمتعلمين جميعهم بمستوياتهم المختلفة، وعليه فإن هذه الاستراتيجية توفر للمعلمين الفطنين رؤية عملية في كيفية التعامل مع الفروق الفردية في المهارات اللغوية في الفصول الدراسية. وهذا يعني أن عملية اكتساب اللغة وتعلمها يمر في مرحلتين: الأولى أن بمقدور المتعلمين تحقيق قدر معين من التعلم والاكتساب الذي يحدث تلقائيا عندما ينضج الأشخاص، كما يقول جان بياجيه. ومع ذلكفي مقابل الثانية: تلك التي يرى فيها فيجوتسكي أنه من أجل المضي قدما في التعلم والاكستاب اللغوي يجب على المتعلمين الانخراط في التفاعل الاجتماعي مع الآخرين الأكثر دراية/ الأعلى مستوى. فهؤلاء في الفصول الدراسية كالآباء وأولياء الأمور والمدرسين الذين يعرّفون الأطفال على أدوات ومهارات ثقافتهم، في اللغة والكتابة والرياضيات والعلوم وغيرها[3].

ومن جماليات هذه الاستراتيجية ودقتها في الوقت ذاته الموازنة في تقديم ما يحتاجه المتعلم فعلاً، إذ قد يكون توفير الدعم الزائد مثله مثل عدم توفير الدعم إطلاقاً، فأحياناً كل ما يحتاجه المتعلم قد يكون كلمة، أو أداة واحدة أو اثنتين أو أكثر، ولكن توفير كل شيء للمتعلم يكون ضاراً به وليس نافعاً له كما هو حال سقاية النبتة التي قد يكون الماء الموفر لها سببا في حياتها أو سببا في إزهاق روحها وموتها.

maxresdefault.jpg

وبإسقاط ذلك المثال على واقعنا التعليمي، نقول: قد يحتاج أحد الطلاب فقط تفسير منطوق ما مبهمٍ في رأس سؤال ما من أسئلة أحد الاختبارات داخل الفصل، فإذا بالمعلم يقرأ السؤال كاملًا، ثم يشرع في توضيح المطلوب مشفوعًا بالتنويه على طريقة الإجابة وخطوات الحل!!

وكما نرى هنا قدم المعلم للطالب دعمًا زائدًا عن حاجته، ولم يكن في حاجة إليه، وحال بينه بدعمه الوافر وبين إعمال عقله للبحث عن الإجابة، فضلًا عن عدم مراعاته للفروق الفردية بين الطلاب!!

 ويذكرنا هذا بمجال الرياضات وخاصة رافعي الأثقال الذي يرفعون أوزاناً مهولة، قد يكون في وقت ما كل ما يحتاجه رافع الأثقال من مدربه أن يضع أصبعه على القضيب الذي يحمل طرفي الأثقال مما يمنح المتعلم المقدرة على رفعها بعد أن كاد يفشل فيها!!

وعليه، يمكن القول بأن منطقة التنمية القريبة هي مفهوم مفيد للمعلمين. للتأكد من أن الطلاب يتعلمون في منطقة التطور القريبة الخاصة بهم، كما يجب على المعلمين توفير فرص جديدة للطلاب للعمل قليلاً بعد مهاراتهم الحالية وتقديم الدعم المستمر له في ضوء الاعتقاد بأن الطلبة ليسوا متساويين أو أن تعلمهم يجري بنفس الطريقة والأسلوب. وتمثل الصورة المرفقة ما ينبغي أن يوفره المعلم للطالب لكي يحصل على الفاكهة.

Illustration of a Child’s Zone of proximal Development

ومن تطبيقات منطقة التنمية القريبة في فصول اللغة:

  • تحويل نص القراءة من نص مقروء إلى نص مسموع.
  • تقديم صور تدل على المفردات بدلاً من تقديم المفردات نفسها.
  • العمل الثنائي والجماعي من أفضل بيئات تحقيق التعلم وفق منطقة التنمية القريبة.
  • تقسيم المهمة إلى أجزاء.
  • إعادة تقديم التوجيهات بطريقة مختلفة او بلغة أسهل.
  • توفير معلومات لغوية جانبية مختلفة بحسب كل شخص كقاموس أو كلمات بمعانيها أو معلومة سابقة أو تذكير بشيء سابق إلخ.
  • تقديم نماذج لما ينبغي القيام به بالشكل المناسب: صورة، فيديو، نموذج، إلخ.
  • تقليل ما قد يسبب اليأس أو الفشل.

 

الهوامش:


[1]انظر: Vygotsky, L. S. (1978). Mind in society: The development of higher psychological processes. Cambridge, MA: Harvard University Press.

[2]من المفاهيم الحديثة في مجال تعليم اللغات الاجنبية، وقمت رفقة الزميل العزيز الدكتور السيد أبو الوفا بكتابة بحث محكم حولها سوف يرى النور قريباً في مجلة علمية محكمة.

[3]انظر لمزيد من المعلومات: https://www.thoughtco.com.



(Edited by دَلِيلُ العَرَبِيَّةِ - original submission Thursday, 30 April 2020, 6:48 PM)

(Edited by دَلِيلُ العَرَبِيَّةِ - original submission Thursday, 30 April 2020, 6:48 PM)