طبيعة الإشكال:
لم يكن الدَّرسُ البلاغيُّ أحسنَ حالاً من بقية فروع اللغة العربية، فقد وقع الطلاب في شَرَكِ النَّهم وحبِّ الاطلاع على التراث العربي الجميل وفرح الكثير من المعلمين في المراكز والمعاهد بتلك الرغبة الجامحة – ونحن أيضا نفرح بذلك – فجادوا لهم بما بذله علماء العربية من متون بلاغية ومنظومات وتفريعات ورأينا كيف اكتظت قاعات دروس البلاغة وأروِقتُها بالطلاب من غير العرب وهم بعدُ بين المستوى الأول والثَّاني يستمعون دروس:
- شرح أسرار البلاغة.
- شرح دلائل الإعجاز.
- شَرح المعلقات العشر.
- شرح مصطلحات علم المعاني، البيان، البديع.
كلُّ ذلك والطالب لم تستقم بعدُ تراكيبه ومدلولاته، وتعبيراته فضلا عن عدم التعرف إلى الفرق بين الجملة النمطية الاعتيادية والجملة البلاغية.
ونسي الكثيرُ أن أصل البلاغة هو البساطة مع روعة التذوُّق عند القائل والمرسل في آنٍ واحد.
ولا ننكر أن ذلك كوَّن فِرَقًا من الطلاب يعرفون قدر أدباء العربية بداية من امرئ القيس وحتى الأستاذ الرافعي والمنفلوطي ومحمود شاكر والعقاد رحمهم الله، كما تنمَّى أيضا في الطلاب معرفة الحدود والتعريفات (تعريف التشبيه، الكناية، الاستعارة، الإيجاز، المجاز، الحقيقة ... الخ).
لكنَّ جانب التذوُّق -الذي قام عليه العلم -فقير، فنشأ طالبٌ فقيرٌ في تذوق آيات كتاب الله تعالى، غير قادرٍ على تصور معنى بيتٍ من الشعر تصورًا كاملاً دون مساعدة أحد في شرح معنى البيت.
كيف نعالج تلك الإشكالية؟
من خلال التجربة رأينا تمرين الطلاب قبل الدخول إلى أركان علم البلاغة على اكتساب التذوُّق بقدرٍ كافٍ بداية من التعبيرات القصيرة والحِكم والقوالب البلاغية إلى الآيات القرآنية مرورًا بالأبيات الشعرية والنصوص النثرية.
وقد كانت الأهداف والتصورات الأساسية من دراسة التذوق البلاغي هي : -
2- تقسم الدراسة إلى ثلاث مراحل كلُّ مرحلة كافية لتمكين الطالب من عملية التذوق سواءً على مستوى اكتشاف النص أم صناعة النص، وهذه المراحل تبدأ كما ذكرنا: -
- الجمل القصيرة والقوالب الجميلة.
- الشعر والنثر.
- القرآن الكريم.
4- تجنب الطرح النظري لمفاهيم وحدود وتقاسيم العلم؛ فمثلا يكتفي المعلم بإيضاح مفهوم التشبيه، ومفهوم الاستعارة، ذلك المفهوم البسيط جدا والذي يمكن للطالب أن يستنبطه بنفسه دون مساعدة من خلال فهمه لدلالة التركيب أو الأسلوب.
ومن خلال الأسطر القليلة القادمة نعرض للمراحل الثلاث مع الاكتفاء بتوضيح الفكرة فقط.
الخطوة الأولى:
يتعرض الطَّالبُ لمجموعة كبيرة من القوالب والتراكيب ذات المعاني المختلفة عن الأسلوب الذي تعوَّد عليه الطَّالب، ثُـمَّ يُشرح التركيب بنوعٍ يجمع بين الرصانة والبساطة ثم يتعرض لبعض التدريبات التي تمكنه من الإنتاج لمثل تلك الجمل او التعرف إلى نظائرها دون عناء.
ومن أمثلة تلك العبارات ما يوضحه الجدول الآتي:
كُنْ زَعِيمَ نَفْسِكَ |
ظَهَرَ في ثَوْبٍ جَدِيدٍ |
ضَرَبَ كَفًّا بِكَفِّ |
اِحْتَضَرَتْ هِمَّتُهُ. |
مَسْلُوبُ العَقْلِ |
يَـنْحَتُ من صَـخْرَةٍ |
مَهِيضُ الَجنَاحِ |
نَبَتَ لَهُ رِيشُ العِلْمِ |
أَكَلَ الدَّهْرُ عَلَيْهِ وشَرِبَ. |
وَضَعَ رِحَالَهُ. |
اِشتعل رَأْسُهُ شَيْبَا |
تَرَجَّلَ الفَارِسُ |
لَبِسَ ثِيَابَ المَرَضِ |
أَخْطَأَتْ اسْتُهُ الـحُفْرَةَ |
كَالبَائِلِ في مَاءِ زَمْزَم |
اجتمعت عليه بَنَاتُ الدَّهرِ |
يبيعُ الوَهْمَ في سُوقِ الَجهْلِ |
اتَّسَعَ الخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ |
وَضَعَهُ بَيْنَ شِقَّي الرَّحَى |
الأَيَّامُ حُبْلَى |
لَيْسَتْ النَّائِحَةُ كَالثَّكْلَى |
.
وللتوضيح أكثر فإننا نعرض نموذجًا بسيطًا لشرح تركيبٍ واحد.
اتَّسَعَ الخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ.
اتَّسَعَ: عَكْسُ ضَاقَ، واتَّسعَ المكان صار واسعًا بعد أن كان ضيِّقًا.
والَخرقُ: هو المزقُ، ويقال خَرَقَ الثَّوْبَ يَعْنِي مَزَّقَهُ وَقَطَعَهُ، وثوبٌ مخروق.
والرَّاقِعُ: هو الشَّخصُ الذي يُصْلِحُ خُرُوقَ الثِّيابِ.
وتُقالُ هذه العِبَارَةُ لمن كَبُرتْ عليه المشكلة ولا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحُلَّهَا.
و من ذلك قول القائل: (نزلتُ يَوْمًا أَسْبَحُ عَلى الشَّاطِئِ فَهَاجَ الـمَوْجُ ، وَوجَدْتُنِي فِي عُرْضِ البَحْرِ فَـحَاوَلْتُ أَنْ أُقَاوِمَ وَ أَخْرُجَ وَ لَكِنْ هَيْهَاتَ لَقَدْ اِتَّسَعَ الـخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ؛ فجعلتُ أَصْرُخُ فِي النَّاسِ حَتَّى أَنْقَذَنِي الصَّيَّادُونَ وَ الـمَلاحةُ ) .
مما نرجوه بعد دراسة المرحلة الأولى ومساعدة المعلمين للطلاب في فهم تلك التراكيب أن يصوغ الطالب عبارة بنفسه أو أن يحدد معنى عبارةٍ جديدة دون مساعدة المعلم حتى ولو تخمينًا منه، وبالتَّالي يكون مهيًا للدخول في مرحلة أعمق من التذوق.
ومن تلك التدريبات التي يستعين بها المعلمون:
حاول بمساعدة معلمك وزملائك أن تَفْهَم هذه العِبارات وتكتب عن كناياتها ومعانيها مستعينًا بالمُعجَمِ.
م |
التركيب |
المعنى المراد |
1- |
سبَّحَ بحمدِ فلان. |
............................ |
2- |
طَارَت الأَخبار في النَّاس. |
............................ |
3- |
رَكِبَ جَوَادَ الحُزْنِ. |
............................ |
4- |
نَامَ نَوْمَةً الأَطْفَالِ. |
............................ |
5- |
انْطَفَأَتْ شُعْلَةُ الشَّبَابِ. |
............................ |
6- |
اِمْتَلَكَ زِمَامَ الأُمُورِ. |
............................ |
7- |
يَنْقِشُ على الماء. |
............................ |
8- |
يَبيع دِينَهُ بِدِينَارَيْنِ. |
............................ |
9- |
لا يملكُ إلا غُبَارَ قَدَمِهِ. |
............................ |
10- |
نام النَّومَةَ الأَخِيرَةَ. |
............................ |
مخرجات الخطوة الأولى:
ينبغي في نهاية تلك المرحلة أن يكون الطالب قادرًا على:
- التعرف إلى التشبيه وأركانه من خلال المثال فقط.
- التعرف إلى كناية الجملة ومدلولها.
- التعرف إلى الاستعارة بمفهومها البسيط جدا وهي استعارة صفة من شيءٍ إلى شيءٍ آخر.
- القدرة على تحليل التركيب والرجوع إلى المعجم البسيط للتعرف على المفردات الجديدة.
- القدرة على تأليف المفهوم النهائي لتركيبٍ ما وتخمينه وتذوقه ومحاكاته.
إلى هنا نكتفي بهذا القدر لنكمل الخطوات التالية في كتاباتٍ قادمة بعون الله تعالى.
