مقالات وأبحاث متخصصة في المجال

التعليم عن بعد في صفوف اللغة: تحديات وحلول مقترحة

التعليم عن بعد في صفوف اللغة: تحديات وحلول مقترحة

by أ. دلال محمد العسّاف -
Number of replies: 0


في ظل الظروف الراهنة التي يشهدها العالم بظهور جائحة كورونا ، تسعى المؤسسات التعليمية جاهدة للحفاظ على استمرارية العملية التعليمية بكافة الوسائل والسبل، وقد اعتمدت معظم هذه المؤسسات طريقة التعليم عن بعد وسيلة لتحقيق هدفها في ضمان استمرار عملية التعلم لصعوبة التقاء المعلم والمتعلم في المواقع التعليمية بعد الإجراءات التي اتخذتها الحكومات في ظل هذه الأزمة الصحية . فبات التعليم عن بعد هو السبيل المتاح لمؤسسات التعليم المختلفة لمواصلة دورها وتحقيق أهدافها التعليمية والتربوية .

ولا شكّ في أن هذا الانتقال المفاجئ والسريع من الصفوف التقليدية التي تجمع الأستاذ والطالب في مكان واحد إلى الصفوف الافتراضية التي يلتقي فيها الأستاذ والطالب عبر شبكة الإنترنت شكّل صدمة وتحدّياً للطالب والأستاذ في الوقت نفسه، لاسيما لمن لم يعتد على استخدام هذه الطريقة من قبل وسيلة للتعلم والتعليم.

وربما يعد هذا الأمر أقل صعوبة بالنسبة للطلبة والأساتذة المتواجدين في البلد نفسه كطلبة المدارس والجامعات المحلية. ونجد تحدّياً أكبر بالنسبة للمؤسسات التي تتضمن برامجها تدريس اللغات لاسيما تدريس اللغة العربية -ونحن نتحدث في سياق مجتمعنا العربي – لطلبة اضطرتهم الظروف إلى مغادرة البلد الذي يدرسون فيه والعودة إلى بلدانهم في ظل جائحة كورونا. فالتحديات المتعلقة بالبعد الجغرافي - الذي أوجب استخدام التعلم عن بعد- أصبحت أوسع وأكبر إضافة إلى ارتباطها بالعامل الزمني واختلاف التوقيت في بلدان العالم بين الطلبة أنفسهم وبين الأستاذ والطلبة أيضاً.

ولعل تدريس اللغة للناطقين بغيرها يعتمد على كثير من الأسس، وله اعتبارات خاصة تضمن نجاحه وتحقيق أهدافه المرجوة، لعل أهمها؛ تفاعل الطلبة واندماجهم في البيئة التعليمية الصفية والمجتمعية، والأنشطة والتدريبات التفاعلية الوظيفية التي تساعدهم في اكتساب مهارات اللغة استماعاً وقراءة وكتابةً وتحدّثاً وممارستها في بيئة طبيعية مناسبة ،وآداء وظائفها عبر المستويات اللغوية المختلفة. ويبدو الأمر أكثر صعوبة في ظل خصوصية اللغة العربية لغوياً تركيبياً وثقافياً اجتماعيّا .

ويمكن تقسيم هذه التحديات على النحو الآتي :

  1. تحديات متعلقة بالطلبة :

لا شك أن العامل النفسي يلعب دوراً مهما في نجاح هذه الطريقة من التعلّم أو عدمه. فجاهزية الطلبة واستعدادهم النفسي وتقبلهم للظروف المحيطة بهم على اختلاف درجتها بين أسرته وفي بلده، وما تبعها من تغيير لطبيعة الصف التعليمي في ظل هذه الأزمة الصحية العالمية ينعكس بالضرورة على نجاح عملية التعلم عن بعد.

كما أن استعدادهم التكنولوجي والتقني أيضاً مهم جدًا، فهذا النوع من التعليم قائم أساساً على استخدام التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، ولا يمكننا الجزم بأن جميع الطلبة لديهم هذه الجاهزية ويمتلكون القدرات نفسها والوسائل التكنولوجية ومهاراتها التقنية.

كما يعدّ البعد الجغرافي واختلاف انتماءات الطلبة الجغرافية وما يتبعها من اختلاف في التوقيت الزمني تحدّياً للطالب والأستاذ في الوقت نفسه كما ذكرنا من قبل.

ويبرز هنا تحدٍّ آخر متعلق بالمتعلم ألا وهو استراتيجيات التّعلم المناسبة له. فالطلبة يختلفون عموماً في طريقة استقبال المعلومات واكتسابها بصريًا، أو كتابيًا، أو حركياً، أو سمعيًا أو غيرها . ولعل الصف التقليدي يوفّر تنوعاً أكبر في طريقة تقديم المعلومات والمحتوى التعليمي للطلبة قد تستوعب هذه الاستراتيجبات على اختلافها وتلبي احتياجات الطلبة على نحو أفضل.

فعند تدريس المفردات اللغوية مثلاً قد يكفي بعض الطلبة تمثيل المفردة أو الإشارة إليها، وقد يحتاج بعضهم إلى رؤيتها مكتوبة، وقد يحتاج آخرون إلى تكرار لفظها وسماعها، وقد يحتاج غيرهم إلى وضعها في سياق أوأكثر لفهمها أو ترجمتها أحياناً.

 

  1. تحديات متعلقة بالأستاذ :

يواجه أساتذة اللغة عدة تحديات في سياق التعليم عن بعد، ولعل معظمها يرتبط بالتحديات التي يواجهها الطلبة، فهما طرفا العملية التعليمية وقطباها الرئيسيان ، وعلاقة التأثر والتأثير متبادلة بين كلا الطرفين في مسيرة التعلم عن بعد.

فالظروف النفسية التي يمر بها الطالب سيواجهها الأستاذ في بلده أيضاً على اعتبار أن هذه الأزمة الصحية هي أزمة عالمية. وقد ينعكس هذا في الجو العام للصف .

كما أن استعداد الطلبة التكنولوجي والتقني لإتمام عملية التعلم عن بعد سينعكس على تواصله مع الأستاذ، وقدرته على متابعة دروسه. وأي خلل تقني أو مشكلة تكنولوجية ستؤثر على التواصل مع الأستاذ ومواصلة الصفوف الدراسية.

ولعل الاستعداد التكنولوجي، وامتلاك المهارات التقنية لا تقتصر على الطلبة وحدهم، فالعديد من الأساتذة لا يمتلكون المعرفة الكافية باستخدام الوسائل التكنولوجية ووسائل الاتصال الحديثة وكيفية توظيفها في صفوفهم الدراسية. لا سيما وأن التعليم عن بعد لايقتصر على الاتصال المباشر بين الأستاذ وطلبته وتقديم الدروس مباشرة بأسلوب تلقيني بحجة الظروف المفاجئة والأزمة الصحية العالمية ، فهذا لن يجدي نفعاً في تحقيق الأهداف التعليمية، ولا قيمة تذكر للتعلم بهذه الطريقة خاصة في دروس اللغة. 

لذا فإن من واجب الأستاذ أن يطوّر قدراته التقنية، ويحسّن مهاراته التكنولوجية لنجاح عملية التعلم عن بعد؛ فاستخدام المنصات الإلكترونية والمواقع والبرامج المتاحة عبر الإنترنت وتصميم مواد دراسية من خلالها قد يجدي بشكل كبير في تحقيق الأهداف التعليمية ونجاح التعلم عن بعد.

وقد يواجه الأستاذ تحدّياً آخر يتعلق بتكييف المواد الدراسية التي يعدها للصفوف العادية التقليدية مع الصفوف الافتراضية عبر الشابكة، وقد يحتاج لإعداد مواده جهدًا ووقتاً مضاعفا مقارنة بإعداد مواده للصفوف الدراسية المعتادة لا سيما إن لم يعتد على استخدام مثل هذه المواقع والبرامج التكنولوجية من قبل.

هذا بالإضافة إلى الحاجة لتكييف طبيعة المواد التي تُدرّس في صفوف اللغة لا سيما المواد التعليمية لصفوف اللغة العربية ومهاراتها وأساليب تقديمها وتعليمها مع طبيعة الصفوف الافتراضية عبر الشابكة، والأخذ بعين الاعتبار التحديات المتعارف عليها عند تعليم لغة جديدة، يضاف إليها التحديات المتعلقة بطريقة تعليمها عن بعد. وكل هذا يحتاج من الأستاذ الكثير من الوقت والجهد إن كان يسعى حقّاً لتحقيق الأهداف التعليمية بالمستوى المطلوب كما لو كان في بيئته التعليمية الطبيعية أو على الأقل في أدنى مستوياتها. فتدريس اللغة الثانية ليس بالأمر السهل بطبيعة الحال، ويحتاج العديد من الإمكانات والإعدادات فما بالك بتدريسها عن بعد!

 

  1. تحديات متعلقة بطبيعة تدريس اللغة 

 

إن لتدريس اللغة خصوصية تعليمية منهجية أسلوبية تميزها عن غيرها من الحقول التعليمية الأخرى، لا سيما وإن كنا نتحدث عن تدريس اللغة للناطقين بغيرها. فلتدريس اللغة للناطقين بغيرها اتجاهات وأساليب ومناهج واعتبارات لابدّ من الأخذ بها ومراعاتها في العملية التعليمية بأحوالها الطبيعية التي تجري في الصفوف التقليدية التي تجمع الأستاذ والطالب في الغرفة الصفيّة. فما بالك بمراعاة هذا كله في ظل التعليم عن بعد؟! هذا عدا عن الخصوصية اللغوية والثقافية لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها عبر تعليم قواعدها وتراكيبها ومفرداتها ومهاراتها اللغوية التي ينبغي تحقيق التكامل فيما بينها عند تدريسها لضمان تعلم ناجح يصل بالطالب إلى الهدف وهو اكتساب اللغة وممارستها .

فتدريس أصوات اللغة مثلا في التعليم عن بعد ونطق المفردات عبر الدروس المباشرة أو غير المباشرة قد لا يكون مناسباً أو مجدياً لبعض الطلبة لا سيما للطلبة المبتدئين إذ يحتاج كثير منهم إلى رؤية الأستاذ عن قرب أثناء عملية النطق لتمييز الأصوات ومخارجها لا سيما للأصوات المتجاورة التي يصعب تمييزها بسهولة (مثل س وص / د و ض)والأصوات التي لا توجد في لغاتهم (مثل ع و غ و ض) .

وتدريس المفردات لا سيما المفردات غير المحسوسة والتي قد تفيد في التعبير عنها لغة الجسد أو التمثيل في موقف صفي أوسياق حياتي أوغيرها من الطرق التي قد لايوفرها التعليم عن بعد، أو قد يحتاج إيصالها عبره إلى وقت أطول من الصف العادي.

وكذلك تدريس قواعد اللغة وتراكيبها التي يشكو كثير من الطلبة صعوبة اكتسابها في الوضع العادي، قد يبدو الأمر أصعب عبر الإنترنت وإن كانت بعض المنصات والبرامج توفر اللوح الإلكتروني أو إمكانية مشاركة العرض التقديمي إلا أن التفاعل الحركي والبصري والكتابي بين الأستاذ والطلبة قد يسهل تعلم هذه القواعد على نحو أفضل في الصفوف العادية، وقد يجد الطلبة تحدّياً في فهمها وتعلمها، وقد يجد بعض الأساتذة تحدياً في طريقة عرضها وتقديمها للطلبة عن بعد، وربما يحتاج إعداد موادها وقتاً مضاعفا عن الصفوف العادية.

ولا نغفل هنا دور التعلم التفاعلي والتعاوني بين الطلبة  في ممارسة اللغة ومهاراتها، وما له ما أثر إيجابي في تحسن مستوى لغتهم وممارسة ما يتعلمونه في الصفوف في قالب ثقافي تفاعلي . وإن كانت بعض المنصات التعليمية توفر خاصية الغرف ( Breakout Room ) كما في تطبيق Zoom إلا أنها لا تحقق النتيجة نفسها التي يحققها التفاعل الفعلي بين الطلبة في الصفوف العادية. 

 

  1. تحديات متعلقة بطبيعة التعليم عن بعد

ولعل أبرز هذه التحديات في هذا النوع من التعلم هو التكلفة التي يحتاجها الطالب والأستاذ للتواصل عبر الإنترنت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؛ فعقد المحاضرات عبر المواقع والمنصات الإلكترونية مثل ,Microsoft Teams  Canvas  ,Zoom  ،والتي لا تقل مدتها عادة عن ساعة، وتحميل المواد المكتوبة والمرئية من نصوص وعروض تقديمية وفيديوهات تعليمية على  Google Drive مثلا، أو من  youtube  ، أو عمل أنشطة جماعية تشاركية على بعض المواقع مثل Vialogues، أو تصميم فيديو تعليمي باستخدام مواقع وبرامج مثل Camtasiaأو تصميم لعبة لغوية باستخدام مواقع إلكترونية مثل Kahoot , Quizizz . كلها بحاجة إلى حزم بيانات إنترنت لتطبيقها واستخدامها في التعلم عن بعد وهذا مكلف ماديّاً للأستاذ والطلبة.

وقد يواجه الأستاذ والطلبة مشاكل في سرعة الإنترنت أو قوة الإشارة وهذا يؤثر سلباً في تحقيق عملية التواصل وديمومتها .هذا بالإضافة إلى أمن المعلومات وسريتها والحفاظ على خصوصية الصفوف وموادها التعليمية، حيث يمكن أن تحدث اختراقات أمنية لمثل هذه المواقع والمنصات لا سيما خلال أداء الامتحانات الإلكترونية.

حلول مقترحة 

  1. تحفيز الطلبة وتشجيعهم على هذا النوع من التعليم، فالتهيئة النفسية ضرورية لنجاح التعليم عن بعد في ظل الظروف الراهنة، وحبذا لو كان الدرس الأول من كل أسبوع درساً مباشراً يشحذ فيه الأستاذ عزائم طلبته ويشجعهم على الاستمرار في التعلم .
  2. استخدام أساليب التعلم عن بعد بنوعيه التزامني (المباشر) وغير التزامني؛ لكي لا نشكل ضغطاً على الطلبة بإلتزام الحضور المباشر، ومراعاة للاختلاف الجغرافي والتوقيت الزمني بينهم. 
  3. يجب على الأستاذ أن يرسم أهدافه ويخطط جيداً لهذا النوع من التعليم ليضمن نجاحه، وعلى أساس هذه الأهداف يمكن أن يقرر الطريقة المناسبة لتقديم مادته وتحقيق هدفه. فإن كان يستدعي الهدف اللقاء المباشر مع الطلبة ويرى في ذلك فائدة أكبر يجنيها الطلبة فليكن ، وإلا فوسائل التعليم عن بعد غير المباشرة تفي بالغرض .
  4. التنويع في أساليب التدريس ووسائله في الصفوف المباشرة لكي لا يشعر الطلبة بالملل، فالعنصر التفاعلي مطلوب هنا، وإن لم يتوفر فاستخدام الصفوف غير المباشرة أفضل. على أن لا يترك الأستاذ كامل الحرية للطالب، بل يجب عليه أن ينظم تعلم طلبته في الصفوف غير المباشرة عبر جدول زمني أسبوعي يوكل إلى الطلبة خلاله أداء المهام والواجبات المتعلقة بالمواد التعليمي التي يتلقونها خلال الأسبوع سواء أكانت نصوصاً، أم فيديوهات تعليمية، أم أنشطة تعليمية ثقافية أم غيرها.
  5. على المؤسسات التعليمية أن تؤهل أساتذتها لمثل هذا النوع من التعليم من خلال عقد الدورات التدريبية وتطوير مهارات الأساتذة في الأمور التكنولوجية والتقنية. كما أن على المدارس والجامعات أن تدرّب طلبتها على مثل هذا النوع من التعليم عبر توظيفه في صفوفها الدراسية.
  6. عقد ورش عمل لأساتذة اللغة لتبادل خبراتهم في مجال تدريس اللغة عن بعد، والتوصل إلى وسائل مفيدة و طرق أسهل لتقديم اللغة ومهاراتها للطلبة عن بعد في قالب تعليمي ثقافي أفضل، والاستفادة من تجارب اللغات الأخرى أيضاً والمواقع التعليمية لتدريس اللغات عبر الإنترنت وتطويرها بما يتناسب مع أهداف المؤسسات التعليمية وطبيعة طلابها.