مقالات وأبحاث متخصصة في المجال

دور المعلم في إدارة دروس التحدث: إضاءات نحو دروس تواصليٍّة وفَعَّالة

دور المعلم في إدارة دروس التحدث: إضاءات نحو دروس تواصليٍّة وفَعَّالة

by أ. محمد عادل الرويني -
Number of replies: 0



يقع على المعلم مسئولية إدارة دروس التواصل من جوانب عديدة بدايةً من اختيار الموضوع المناسب وتحديد عدد الطلاب، ثم تحديد نوع الحصة هل هي مناظرة بين أكثر من فريق، أو إلقاء محدود لوجهات نظر...إلخ، وحتى إنهاء عملية التواصل وتدوين ملاحظاته.

في هذه الأسطر بعون الله نلتقي حول مجموعة من الضوابط والأدوار التي لو التزم بها المعلم لكانت عونًا له – بإذن الله – على تقديم درسٍ تواصليٍّ ناجحٍ وفعَّال.

 

  1. اختيار الأوقات المناسبة: 

يَعُدُ الكثيرُ من المعلمين جوانبَ التحدث ودروس الاستماع ضمن التدريبات والتطبيقات التي يمكن أن يُكلَّف بها الطلاب في نهاية يومٍ مليء بالدراسة أو كواجبٍ منزليٍّ يقوم به الطالب، والحقيقة إن دروس التحدث والاستماع يجب أن يبدأها المعلمون في صباح يوم الدراسة وإن سبقها شيءٌ فيجب أن يكون من لوازم الدرس كتمهيد أو شرحٍ للكلمات والجمل الـمِفتاحية التي يمكن أن تُستخدم في أثناء الدرس كما سيأتي في كيفية تناول دروس التحدث.

  1. اختيار الطلاب المناسبين:

يختلف الطلاب في الفصل الواحد اختلافًا واضحًا ولا يمكن للمعلم إثارة الحديث وإشعال جذوته من خلال طالبٍ خجولٍ ليست لديه الجراءة الكافية على إدارة الحوار، كما لا يمكنه أيضًا الاستمرار في عملية التحدث مع طالبٍ ضعيفٍ وليست لديه مخزونات لغوية أو حتى ثقافة بموضوع المناقشة، لذا يجب إيقاد شعلة المحادثة والمناقشة من خلال طالبٍ جريء على التحدث وفصيحٍ قليلِ الأخطاء ومثقف؛فيساعدكأيها المعلمعلى الاستمرار في التحدث، ومن ثمَّ جذب الطلاب الضعفاء وإشراكهم في جوانب كثيرة من المحادثة.

  1. التغاضي النسبي عن أخطاء الطلاب:

يكثُرُ زلقُ اللسانِ فيأثناء تحدث الطلاب، وأغلب أخطائهم أخطاء صوتية ملازمة لحديث الكثير من الطلاب، فلا يحاول المعلم توقيف الطالب كثيرًا؛ لأن المقاطعة في غير استثارة تُطفئ حرارة المناقشة وتُضيِّع أفكارًا تعب في تجهيزها للسَّرد باللغة الهَدف([1] )، بينما لا يتهاون المعلِّم في تصحيح خطأ يُشَوِّه واقِع المفردات أو التراكيب في أُذُن السَّامع كأن يَستعمل كلمةً في مَكَان كلمة أخرى مثل: 

- نَظَرْتُه وقتًا طويلاً. يَقْصِدُ اِنْتَظَرْتُه.

- حُبُوبُ الرِّياحِ. يَقْصِدُ هُبُوب.

- مستمد إلى نهاية السَّنة. يَقْصِدُ مُمْتَدٌ.

  1. تسجيل الأخطاء وتصنيفها.

إذا انتبه الـمُعلم إلى ذلك البابِ نالَ حظًّا طيبًا من الخبرة العملية في مجال تعليم اللغة لغير أبنائها وقد استفدنا كثيرًا من تسجيل أخطاء الطلاب والوقوف عليها ومتابعتها في وضع المناهج ومعالجة الإشكالات اللغوية في أثناء عملية التَّدريس.

والأخطاء عامةً نوعان؛نوعٌ عام يشترك فيه كلُّ مَنْ نطق بغير العربية أصلاً، ونوعٌ خاصٌّ يَكثر ويتكرر في جنسية محددة أو فئة معينة من الطلاب، فمثلاً نجد أغلب الطلاب من جميع الجنسيات –في النوع العام - يخلطون بين مخارج بعض الحروف، وكذلك يغلطون غلطاً كثيراً في تراكيب الإضافة والأوزان الصرفية، وفي النوع الخاص نجد أن الطلاب الأتراك و من يتحدثون اللغة الفارسية يستخدمون كثيرًا جدا من الكلمات العربية، لكن لا يخلو أن تكون هذه الكلمات ذات مدلولات قريبة من المدلولات العربية وليست مطابقة للمدلول العربي بالصيغة الصرفية ذاتها، أو أن نطق تلك الكلمات لا يُطابق نطقها في اللغة العربية.

والمعلمون العرب الذين عملوا في تركيا خاصة – وهم كُثر– يعرفون ذلك جيدًا وأغلب أخطاء طلابهم تكاد تجتمع في نقطتين: ([2] )

الأولى إما أنهم يستخدمون المفردات المشابهة للعربية في أي موقع يرى الطالب أنها تساعده، وقد تكون معظمها مصادر يحلها الطالب محل الأفعال مثل كلمات (تبسم، تدبير، تولُّد، تَشكُّر، تمليك...) فتجد الطالب يقول تشكر، (تَشَكُّرْ) يعني شكرًا، أو (تَبْرِيك) يعني مبارك...الخ، وللأسف الشديد فإن عددًا من المعلمين والمعلمات يراها فرصة مناسبة لتسهيل التواصل فيتكلم هو أيضًا معهم بالأسلوبنفسه.

الثانية أنهم يجدون أنفسهم أمام ثروة من المفردات الهائلة والسهلة فيتمسكون بممارستها في أثناء التعبير ولكن بنُطقها التركي أو الفارسي ويكاد العربي يتعرف إليها بعد صعوبة وتكرار أحيانًا.

وعلى كل حالٍ فإنَّ الوقوف على تلك الأخطاء يسمح لنا بالتَّقدم خطوة لمعالجة العُجمة في لسان الطلاب قبل التخرج بعدما كان الأمر شرحًا لدروس العربية فقط دون تنبيه الطلاب إلى أخطائهم الخاصة الأمر الذي يلازمهم بعد التَّخرج.

وعن تصنيف الأخطاء فإن المعلم عليه التحقق من الصنف اللغوي للخطأ الحادث على المستوياتكافة، فمثلاً أخطاء الاشتقاق توضع في قائمة الأخطاء الصرفيَّة، والأخطاء في المخارج وصفات الحروف توضع في قائمة الأخطاء الصوتية، والأخطاء في الطلاقة اللغوية وضعف ملكة المناقشة توضع في قائمة أخطاء التَّحدث أو ما أسميناه إشكالات الإرسال اللغوي.

وهكذا يجد المعلم لديه قائمة جاهزة من أخطاء غير العرب الصرفية والنحوية والدلالية والصرفية والمفرداتية والصوتية ... الخ، مصنفة ومرتبة فيسهل عليه تحليلها ومعالجتها والوقوف على أسبابها؛ الأمر الذي يختصر على الباحثين طول الطريق للعمل من أجل معالجة الإشكالات وتطوير آليات المعالجات السابقة.

 

  1. دراسة تلك الأخطاء وتحليلها والعمل على علاجها:

تحليل الأخطاء هو منهج لغويٌّ قائم يساعد على معرفة سبب الخطأ وآليات معالجته فينبغي للمعلم إذا حصر عددًا من أخطاء طلابه ألا يكتفي بذلك، بل يجتهد في معالجتها في الإطار العملي مع طلابه، ثمَّ يُشاركنا تلك التجربة بعد نجاحها في ورقة بحثية أو كتابٍ يساعد في تطوير الجوانب التعليمية في هذا المجال.

مثال: يقف المعلم عند إشكاليةٍ ما مثل الخلط بين بعض المشتقات المتشابهة في المستوى الأول، مثل (علَّم وتَعَلَّم، كَبَّر واستكبر ....) فيجتهد المعلم في معالجة هذا الخطأ بآلية تناسب المستوى الذي هو بصدده؛ فلا يُعالج تلك الأخطاء في المستوى الأول بآلية لا تصلُح إلا في المستوى الثاني أو الثالث، ومع التجريب والاستمرار تتولد آلية عملية وثمرة ناضجة يمكنه تقديمها لأبناء الميدان ليعملوا خلالها ومن ثَـمَّ يطورونها بعد ذلك.

وهكذا يكون دور المعلمِ بناءً من الدرجة الأولى، ويُصبِحُ البحثُ العلمي مبنيًا على أصول عملية من داخل الفصول التعليمية، وكذلك يقطعُ على الباحثين غير التجريبيين والتطبيقيين طريق المسح النظري الذي أودى بحياة البحث العلمي الصادق واستُبْدِلَ بالبحث القائم على قال فلان وقال علان وربما يحصل الواحدُ منهم على درجة عالية في الدراسات العليا في مجال تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها وهو لم يقف يومًا واحدا في فصلٍ يدرّسُ لطلابٍ من غير العرب.

كما أنَّ أكثر ما يُساعد واضعي المناهج والخطط العلاجية للطلاب هو معرفة حدود الأخطاء ومدى شيوعها بين الطلاب، وقد ذكر الدكتور رشدي طعيمة – رحمه الله-أن دراسة الأخطاء في أحاديث الطلاب أو كتاباتهميُسمى عند الباحثين بالتحليل البَعْدِي؛ إذ إنها تصف ما حدث وليس ما نتوقع حدوثه.

ويقول أيضًا في هذا الصدد: "لدراسة الأخطاء أهمية كبيرة في برامج تعليم اللغات الأجنية. ومن أبرز مجالات الاستفادة من تحليل الأخطاء ما يلي: 

  1. تزويد الباحث بأدلة عن كيفية تعلم اللغة أو اكتسابها، وكذلك الاستراتيجيات والأساليب التي يستخدمها الفرد لاكتساب اللغة. 
  2. تفيد في إعداد المواد التعليمية، إذ يمكن تصميم المواد التعليمية المناسبة للناطقين بكل لغة في ضوء ما تنتهي إليه دراسات الأخطاء، كما أنها تفيد في وضع المناهج المناسبة للدارسين سواء من حيث تحديد الأهداف أم اختيار المحتوى أمطرائق التدريس أم أساليب التقويم،وتفتح الباب لدراسات أخرى نتكشف من خلالها أسباب ضعف الدارسين في برامج تعليم اللغة الثانية، واقتراح أساليب العلاج المناسبة."([3] )
  3. حث الطلاب ناحية الاسترسال في الحديث: 

لا شكَّ أن الاختلاف في الرأي يُهيِّج أصحابَ وجهات النظر للدفاع عن رؤيتهم، وللمعلم استثمار ذلك في طلابه فيتعمد إظهار الرأي من طالب وعرضه على بقية الطلاب ليبدءوا بدورهم في نقده، على أن يتجنب المعلم الأمور الشخصية التي تخدش حياء الطَّالب، أو ما يمس عقيدته من قريب أو من بعيد؛ فمثل هذه الأمور ليست حجرةُ الدراسة مكانًا لمناقشتها، كما أنه لا يُحرض فئة أو جنسية على أخرى وإنما يتقمص دور المحرض المحترم.

  1. مهارة الطرح:
  2. من الأمور المهمة جدا في أثناء ممارسة دروس التحدث انتهاز فرصة معرفة بعض الطلاب بأمرٍ معين أوحدثٍ معيَّنٍ، ومثال ذلك مناقشة الطلاب الروس في موضوع (انفجار مفاعل تشورنوبل)، أو مناقشة طلاب أمريكا معلومات عن (أحداث الحادي عشر من سبتمبر)([4] )أو مناقشة الأحداث العالمية التي لا تخفى على كثيرٍ من الطلاب، ومن هنا يَستَطِيعُ المعلم إبرازَ العقول المثقفة واستثمارها لإشعال جذوة المناقشة.
  3. كما أنَّه من مهارات الطرح أيضا تجنب الموضوعات التي يجهلها معظم الطلاب حتى لو كانت ضمن المقررات الدراسية وينبغي له أن يستبدلها بموضوعات أخرى تؤدي نفس المخرجات.
  4. كذلك تجدر الإشارة إلى ضرورة مراعاة الفئات العمرية التي تُطرح لها موضوعات المناقشة؛ لأن موضوعات المناقشة يغلبُ عليها أن تكون أحداثًا والكثير من الأحداث المثيرة للاهتمام التي عاشها غير العرب مرَّ عليها زمن ليس بالقليل ولم يُعاصرها الجيل الحديث، كما أن الأحداث القديمة تحتاج إلى شخصٍ قارئٍ وهذا يَقِلُّ نسبيًا بين الطلاب مقارنة بطرح حَدَثٍ أو مشكلة عايشوها ولهم دراية بأبعادها.

وهذا الأمر يختلف عن نصوص الاستماع؛ لأن حصَّة التَّحدث تشترط وجود خلفية سابقة عن الموضوع الأمر الذي لا تتطلبه حصص الاستماع والتي قد تكون جميعها معلومات جديدة على أذهان الكثير من الطلاب.

مثال ذلك: لو عرضنا موضوعًا عن شخصيةٍ مثل (مالكوم إكس) فعددٌ كبير من الطلاب لا يعرف عنه شيئًا والقليل ممن قرأ وطالع الكتابات التاريخية يعرفه؛ لذا فالموضوع يصلح أن يكون نصًّا للاستماع ولا يصلح لكونه موضوعًا يناقشه عدد قليلٌ من الطلاب والبقية يستمعون.

 

 

  1. عدم الاستئثار بالحديث:

في الغالب لا يقع في هذا الخطأ سوى المعلمين الجُدد أو غير المتخصصين في تعليم غير العرب؛ فيتحوَّل الـمُعلِّمُ إلى محاضر يُلقي موضوعًا سرديًّا لا ينال الطالبُ منه إلا حظًّا يسيرًا من التَّحدث لا يُشبعُ جوعه، وقد يَقعُ بعضُ الممارسين لتعليم العربية للناطقين بغيرها في هذا الباب استسلامًا لواقع فرضه الطلاب عليه وهو عدم التفاعل أو الأمور الشخصية الخاصة بالطالب من إحراج أو قلق وغير ذلك مما ذكرناه سابقًا.

وقد يكون الاستئثار بالحديث ليس من المعلِّم بل قد يتسلِم طالبٌ واحدٌ الموضوع فلا يتركه إلا والحصة قاربت على الانتهاء، فعلى المعلم الانتباه إلى ذلك ويتدرب على كيفية التوزيع العادل لوقت التحدث دون حرج.

  1. الملاحظة الأخيرة التي نود الإشارة إليها في حصة التحدث للمعلمين هي مراعاة عدد الطلاب وعدد ساعات التحدث فكلما زاد عدد الطلاب لاحظنا انخفاضَ جَوْدَةِ الدرس والعكس صحيح؛ ولهذا فإننا ننصح أن يكون في المعاهد والمراكز مايسمى "بالمعمل اللغوي" ويَكثُر فيه الشركاء اللغويون المتدربون على ممارسة دروس التحدث وتقسم لهم الطلاب لأعداد قليلة حتى يشعر الطالب بحضور اللغة التواصلية في حياته التعليمية، كما أنه يروقني جدا تجهيز ركنٍ خاصٍّ بالشركاء اللغويين؛ حيث تتباعد الطاولات حتى لا يحدث تشويش من مجموعة على أخرى ويجتمع على الطاولة الواحدة مجموعة متنوعة- ليست بالكبيرة -من الأجناس أو الأعراق أو القبائل المختلفة؛ ليبدأ الشريك اللغويُّ الـمُدرب المناقشة وطرح أسئلة ذات طابعٍ مثيرٍ لاهتمام كل الطلاب، مع مراعات التوزيع العادل بين الطلاب وتسجيل أخطاء كل طالبٍ على حدة ثم رفع تقريرٍ مفصل لمدرس تلك المجموعة ليطلع عليه، ويضعه مع تقريرٍ شبه فصلي للوقوف على أخطاء الطالب الخاصة.

 


1-والمقصود بتلك الأخطاء الصوتية التي يمكن أن يتغاضى المعلم عنها هي تلك الأخطاء التي تعاود الطلاب بعد تعلمها فهي تطغى على جهازهم الصوتي وتأخذ وقتًا طويلًا في التعديل ويضيع وقت الدرس كما أن أفكار الطلاب تنقطع بسبب تلك التصحيحات، ومن تلك الأخطاء نطق كثير من اليابانيين والصينيين حرف اللام راء غير محققة أو لاماً أعجمية قريبة من مخرج الدال.

[2]- هذا طبعًا بالنسبة للأخطاء الخاصة بالطلاب الأتراك، وإلا فهم يشتركون مع بقية الأجناس في بقية الإشكالات.

[3] المهارات اللغوية مستوياتها، تدريسها، صعوباتها، د.رشدي طعيمة ص307 ومابعدها/ ط الأولى .

[4]- يجب أن يتجنب المعلم الحديث عن جوانب عقدية أو سياسية، ولكنَّ بعض الموضوعات العالمية مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر أو قتل المسلمين في مساجد نيوزيلاندا وغيرها من أحداث تمس عقائد المسلمين وكذلك سياسات دولية، فالمقصود أن يتجنب المعلم المناقشات الدينية التي تفرق بين الطلاب كمناقشة جوانب المذهبية في حضرة طلاب أتراك أحناف وطلاب  روسيين شافعية، أما السياسية كأن يتحدث المعلم مع الطلاب عن جماعة الخدمة في تركيا أو جماعة الإخوان المسلمين في مصرأو تيار الصحوة في السعودية... وغيرها من الأمور التي لا طائل من ورائها سوى تضييع أوقات الطلاب وتناحرهم.

بينما تشكل الموضوعات العالمية للمسلمين اهتمامًا فكريًا واحدًا.