مقالات وأبحاث متخصصة في المجال

موقف الطلاب والمعلمين والباحثين من اللغات الوسيطة

موقف الطلاب والمعلمين والباحثين من اللغات الوسيطة

by أ. محمد عادل الرويني -
Number of replies: 0



يمكنكم الاطلاع على المقال السابق ضمن هذه السلسلة والذي بعنوان (كيف يَسْهُلُ التواصلُ في المراحلِ الأولى من غير وساطة لغوية؟ عبر النقر هنا.


نحن إذ نتكلم عن منع اللغات الوسيطة من اقتحام الدرس اللغوي التعليمي؛ فإننا لا نقول بعدم جدواها وأنه ينبغي لنا التخلي عنها، بل الأجدر بأي مسئول في المؤسسات التعليمية إذا تقدم للعمل شخصان متساويان في الأداء التدريسي لكنَّ أحدهما يتميز عن الآخر بإتقان لغة ثانية أن يختار بنفس مرتاحة مَن تَـميَّز بلغة ثانية؛ وذلك لوجود تصورات أخرى واستثمارات أكثر من كون الأمر محصوراً داخل الفصل.

فالموقف تجاه استعمال اللغات الأخرى في الوساطة اللغوية والتعليمية يُنْظر إليه من باعتبار الطالب أو باعتبار المعلم أو باعتبار الباحث في مجال العربية لغير الناطقين بها وإليك ذلك موضَّحًا.

أولًا: موقف الطالب من اللغة الوسيطة.

أغلبُ المعلمين المبتدئين يشعرون بتوتر شديد إزاء الساعات التدريسية الأولى نتيجة عدم إتقانهم لمهارة التواصل من دون اللغات الوسيطة ويخشون على سمعتهم أمام الطلاب لذا يفكر الكثير منهم في طرق باب اللغة الوسيطة.

لكنَّ ذلك الإقدام سيتحول إلى إحجام بمجرد أن يعلم المعلم أنَّ النتائج الحقيقة تكمن في إتقانه لأدوات التواصل بالعربية ومدى نجاحه في ذلك.

فالطلاب غير العرب موقفهم من اللغة الوسيطة إيجابيٌّ لأيام قليلة فقط؛ وذلك رغبة منهم في الشعور بالأمان التعليمي اللغوي داخل الفصل، لكنه سرعان ما يذوب ويتحول إلى رغبة شديدة ومُلِحَّة للجلوس أمام معلمٍ يتكلم طول الوقت باللغة العربية؛ لأنهم أدركوا أن استعمال اللغة الوسيطة لم يكن بهذه الإفادة التي رغبوا فيها ولم يحصل لهم أي تقدم فِعْلِيٍّ سوى حفظ بعض الكلمات والقواعد المقررة ومعرفتها، وهو بالفعل سينتهي من المقرر الدراسي، وربما يجتاز اختبار الانتقال بعلامة ممتازة لكنه لن يشعر بروح الممارسة اللغوية، فقد أصبح يريد ممارسة ما درسه من قواعد واستخدام تلك المفردات في مواقف أصلية مع متحدثٍ أصليٍّ ولن يجد خيارًا أخر أفضل من الانتقال إلى معلِّمٍ يُعلم العربية بالعربية مادام ذلك في إمكانه.

  ثانيًا: موقف الـمعلم من اللغة الوسيطة.

لا يُشترطُ في الجانب التدريسي وجود لغات أخرى لدى المعلمين داخل الفصول 

مادامت المؤسسة توفر الأشخاص الذين يقومون بالتعامل الإداري والتواصل بشأن التعليمات الخاصة بهم سواء بلغتهم أو بلغة وسيطة.

لكن المعلم الذي يمتلك لغةً ثانية وثالثة قد أمسك بالعصا من النصف، وهو بالفعل قادرٌ على تطوير العديد من الجوانب التي لا يستطيعها مَنْ ليست لديه لغة أخرى.

وهو - بلا شك - فرصة جيدة للاستثمار من قبل المؤسسات في جوانب أخرى ربما في التواصل مع الطلاب أو الترقية أو إعداد بعض التقارير أو عمل ورش تدريبية لمعلمين آخرين من غير العرب، أو حتى ورش توعوية للطلاب أنفسهم، إلى آخر تلك الفرص التي تتزاحم عليه دون غيره.

ثالثًا: موقف الباحث من اللغة الوسيطة.

يُعَدُّ الباحثُ بمنزلة رجل الكَشَّافَةِ الأول الذي يُسهِّل الأمر على الكثير ممن يقومون بالعمل التعليمي، بداية من المعلم ووصولاً إلى المؤسسات والمجامع الأكاديمية وغيرها، وهو -بلا شك -بحكم موقعه أكثر اتصالاً بمصادر المعرفة بكل أشكالها وأنواعها، القديم منها والحديث. وإن كنا الآن في عصرٍ سهلت فيه الترجمة للكتب والمقالات وكذلك المواد الإعلامية إلا أنه لا غنى للباحث عن إتقان لغة عالمية ثانية على الأقل لتُسهل عليه عمليات التواصل تلك، كما أن الباحث الذي يمتلك لغاتٍ أخرى يحظى بثقة القراء والمتعلِّمين وهو أقرب بكثير إلى درجة العَالِـمِية من غيره.

وقد رأينا سعة اطلاع علماء اللغة المعاصرين على أبحاث غير العرب ومؤلفاتهم، وأغنوا الحقل اللغوي والتعليمي بترجمات وطَوَّعوها للدراسات العربية بحق.

ولعل من أبرز هؤلاء الدكتور الراحل «عبد الصبور شاهين» عالم اللغة المعروف بترجماته - من الفرنسية إلى العربية - لكثير من كتب المفكرين واللغويين، ومن أشهر ما ترجمه عن كتابات اللغويين الفرنسيين كتاب «التفكير الصوتي عند العرب في ضوء سر صناعة الإعراب» للمستشرق «الأب هنري فليش» وهو عالم فرنسي، وكتاب «العربية الفصحى نحو بناء لغوي جديد» للمستشرق نفسه، «وكتاب علم الأصوات» للعالم السويدي برتيل مالبرج.

وغيره من الباحثين والعلماء الكثير لا يتسع لذكرهم من الذين أدوا -بحق-رسالة البحث وكانوا سدنةً ارتكزت عليها دعائم النهضة اللغوية العربية. ([1] )


[1]  - للمزيد حول معرفة نبذة بسيطة عن جهود الباحثين في خدمة التراث الاستشراقي وترجمته يمكن الرجوع إلى دراسة جيدة بعنوان"من دراسات المستشرقين للصوت اللغوي العربي" للدكتور حامد ناصر الظالمي، نشرتها مجلة دراسات استشراقية/ العدد الثالث عشر/ شتاء2018 ص145


يمكنكم الاطلاع على المقال التالي ضمن هذه السلسلة والذي بعنوان (متى نلجأ إلى استخدام اللغة الوسيطة؟عبر النقر هنا.